لماذا علم النفس ؟ الجزء الثاني

مشاهدات


 

محمود الجاف

 

 تاريخ علم النفس :

 

مرَّ علم النفس في مراحل عديدة . كان الانسان دائما يحاول فيها ان يُعدل سلوكه عندما يُخطىء من خلال ملاحظة التغيرات التي تطرأ على تعابير الوجه والجسد والمشاعر في مواقف واحوال مُختلفة . وصفها بالحب والكره والغيرة والجُبن والخوف والشجاعة .

 

في القدم كانوا يفسرون الظواهر الطبيعية والسلوك الانساني بناءا على اعتقادهم المبني على ان هناك ارواحا تتولى ذلك حتى انها تتحكم في اتجاه الرياح وشدتها وتُسبب البرق والرعد وتجلب الخير والشر . اما المصريون القدماء فقد كانوا يُؤمنون بوجود كائن صغير داخل الجسد يُمكنهُ ان يكون مُؤذيا شريرا او طيبا بما في ذلك مشاعر الفرح والسعادة او الغضب والحزن وعندما يترك الانسان يموت كما كان هناك اعتقاد بان الانسان والحيوان والنبات لهم ارواح هي التي تنظم الحياة . ان العلاقة بين الفلسفة والعلوم جميعها أقدم مما نتصور وهي تمتد إلى عصور ربما لم نسمع عنها عندما قرر الإنسان إعمال عقله من اجل انشاء حضارة ولهذا لابد من معرفة الفرق بين الفلسفة والعلم ومنها :

 

1 : يهتم العلم بالظواهر الطبيعية في حين تحاول الفلسفة فهم طبيعة الإنسان وتبحث في الوجود .

2 : يُحاول كل من العلم والفلسفة شرح المواقف المُختلفة والعثور على إجابات . لكن الفلسفة تتبع حجج منطقية بينما يستخدم العلم البيانات التجريبية .

3 : تعتمد التفسيرات التي تأتي بها الفلسفة على حجج المبادئ في حين يقدم العلم تفسيراته بناءً على نتائج التجارب وأدلة موضوعية وحقائق يمكن ملاحظتها.

4 : يبحث العلم عن الحلول المحتملة للمشكلات ثم يتحقق من صحتها أو خطأها بموضوعية بينما تستخدم الفلسفة في الحالات التي لا يمكن تطبيق التجارب والقياسات فيها .

5 : قد تطرح الفلسفة أسئلة موضوعية أو غير موضوعية لكن العلم يطرح الأسئلة الموضوعية فقط .

6 : يمكن تطبيق العلم على نطاق مُحدد على عكس الفلسفة التي تبحث في جميع المجالات.

7 : تساعد الفلسفة في اكتساب المعرفة من خلال التفكير أما العلم فهو يكتسبها عن طريق الملاحظة .

 

ان العلم كان أحد فروع الفلسفة . عندما كانت تبحث في المشكلات الخاصة بالميتافيزيقيا بالإضافة إلى بحثها في الكيمياء والفيزياء والفلك والرياضيات وما إلى ذلك . لقد دمجوا العلم معها وهذا المزيج كان يسمى بـ ( الفلسفة الطبيعية ) لقد قتل نيوتن الفلسفة دون قصد! .. لانه في 5 يوليو عام 1687 صدر كتاب “The Principia” للعالم الفيزيائي المشهور إسحاق نيوتن واتضح من خلال الطبعة الأولى أنه اعتمد على 9 فرضيات في تفسير قوانينه ما يعني أنّ الفلسفة كان لها دورا بارزا فيما توصل إليه . ولكن في الطبعة الثالثة التي صدرت عام 1726 عدّل مفهوم الفرضيات وقال أنه اشتق قوانين الجاذبية عن طريق الاستقراء . أي من خلال البحث والاعتماد على الجانب التجريبي . لقد قتلها فعلا دون قصد وهذه هي الحقيقة . فقد كانت نظرية الجاذبية مثيرة للجدل ولم يقتنع بها الكثير من العلماء لانها مفككة يشوبها بعض الخلل الذي جاء أينشتاين فيما بعد ووضع البعد الرابع للكون وهو الزمان وخرج بالنسبية العامة التي فسرت قوانين الكون بصورة أفضل . وبما أنّ نظريته لاقت هذا الهجوم فهذا يعني أنه سمع بعض الكلمات بخصوص اعتماده على الفرضيات الفلسفية لأن اسم نيوتن كان يندرج في قائمة فلاسفة الطبيعة وليس العلماء وقتها أي حجته ليست قوية لأن فيها شيء من عدم اليقين فجزء من نظرياته يعتمد على الفرضيات غير المُثبتة بصورة قاطعة . وهنا اضطُر صديقنا لتغيير المفاهيم وضم ما يؤيد نظريته تحت مفهوم الاستقراء . أي قائمة على دليل ملموس وليس مجرد افتراض . ورفض الجدال في هذا الأمر ولأنه رجل يحظى بمكانة مرموقة في المُجتمع العلمي أو الفلسفي اقتنع البقية بوجهة نظره وكُتبت النهاية التي تربط العلم بالفلسفة ووُلد العلم الحديث الذي نعرفهُ بالعلم التجريبي القائم حتى يومنا هذا .

 

وبدأت الفلسفة تخطو خطواتها نحو الهاوية فقد انفصلت عنها الكثير من الفروع الأخرى في صورة تخصصات مُستقلة منها : علم النفس وعلم الإنسان والمنطق واللغويات وعلمي الاجتماع والكونيات وبعد ان رحل نيوتن في القرن الثامن عشر وترك الفلاسفة والعلماء منفصلين كل منهما يتمسك بفكره الخاص حتى أصبح التصنيف السائد : عالم وفيلسوف . وزاد الاختلاف حدة في القرن التاسع عشر .

 

الفلسفة :  

 

هي أم العلوم التي كانت جميعها ومن ضمنها علم النفس مُنضوية تحت لواءها . وكانت الآراء في تلك المرحلة هي البحث عن ماهية العقل والروح والعلاقة بينهما وبين الجسد ودراسة الأسئلة الأساسية عن الوجود والمعرفة والقيم والعقل والاستدلال واللغة التي تشمل اساليب الاستجواب والمُناقشة النقدية والحُجة المنطقية والعرض المنهجي ... مثال :

 

هل من الممكن معرفة أي شيء وإثباته ؟ ما هو الأكثر واقعية ؟ هل هناك طريقة أفضل للعيش؟ هل من الأفضل أن تكون عادلًا أم غير عادل ؟ هل يُمكن للمرء أن يفلت من العقاب ؟ هل لدى البشر إرادة حرة ؟


من هو الفيلسوف ؟

 

الفيلسوف : هذه الكلمة جاءت من )فيلوسوفيا ) وهي يونانية الأصل معناها مُحِبُّ الحكمة . أو الشخص الذي يمارس الفلسفة التي تنطوي عليها التساؤلات العقلانية في دوائر خارجة عن العلم والعقائد اللاهوتية الدوغمائية . ويُعد شخصاً ركز على حل الأسئلة الوجودية عن حالة الإنسان ولا يناقش أو يتحدث عن نظريات أو يُعلق على الكُتَّاب . بل هو المثقف الذي ساهم في واحد أو أكثر من فروع الفلسفة .

 

تاريخ الفلسفة :  

 

ويعني دراسة الأفكار والمفاهيم الفلسفية وكيف تكونت عبر الزمن . وكيف يمكننا وضع التغيرات التي تطرأ على الفلسفة في سياقها التاريخي ؟ وما هي العوامل التي أدت إلى هذه التغيرات؟ وإلى أي مدى من المُمكن أن تكون النصوص التي كتبت في عهود سابقة مفهومة للقارئ اليوم ؟

 

اضافة الى ان جميع الحضارات منذ بدأ التاريخ والعصور الوسطى والعصر الحديث . الشرقية والغربية والدينية والدنيوية كانت لديها فلسفات خاصة بها . توصلوا إليها إما عن طريق وراثتها عن عهود سابقة أو قاموا بابتكارها بشكل مُستقل وتقسم الى ثلاثة مراحل :


1 : الفلسفة اليونانية :


كان الفلاسفة اليونان يعتقدون ان العالم يتكون من اربعة عناصر اساسية هي الماء والهواء والتراب والنار وهذا يعني ان هناك اربعة امزجة للإنسان ثم وجهوا اهتمامهم الى فهم الدنيا وتفسيرها المادي أكثر من محاولة فهم البشر ومعرفة الطرق التي يتبعوها في تفكيرهم ومشاعرهم وانفعالاتهم ومنهم :  


سقراط :  

 

هو‏ حكيم يوناني كلاسيكي (470 ق . م - 399 ق . م ) وأحد مؤسسي الفلسفة الغربية . لا نعرف عنه سوى ما كتبه تلاميذه . لأنه لم يدون أي شيء وتعتبر حوارات أفلاطون هي أكثر الروايات شموليةً وإلمامًا بشخصيته واشتهر بإسهاماته في مجال علم الأخلاق . إليه تنسب مفاهيم السخرية السقراطية ومنهجه الذي مازال مُستخدما في النقاشات لأنه نوع من البيداغوجيا (علم التربية) التي تطرح فيها مجموعة من الأسئلة التي تستخدم وسيلة لتشجيع الفهم العميق للموضوع المطروح . لقد قام بإسهامات مهمة وخالدة في مجالات المعرفة والمنطق وبقي تأثير إسلوبه قويًا وصارت أساسًا للكثير من أعمال الفلسفة الغربية التي جاءت بعد ذلك  .قدمه تلميذه أفلاطون مثلًا أعلى وجهبذًا في الفلسفة . قديسًا ومدرسًا لكنهُ أُدين بالهرطقة بسبب تعاليمه . لكن سقراط الحقيقي يبقى لغزًا وشخصية غير معروفة . ومع هذا كان يعتبر أكثر الرجال حكمة في العالم القديم فبعد أن عمل في الفن وقتًا قصيرًا تحول إلى الفلسفة واثبت انه مفكر على جانب كبير من الأصالة والإبداع . ابتدع طريقة للتحقيق والتعليم هي كناية عن سلسلة من الأسئلة تهدف إلى الحصول على تعبير واضح ومتماسك عن شيء يُفترض أنهُ مفهوم ضمنًا من كل البشر . وكان دائم السعي وراء الحقيقة والاهتمام بجعل مشاكل الحياة المُعقدة أسهل على الفهم ولتحقيق هذه الغاية كان مُضطرًا إلى مُناقشة الكثير من المُعتقدات والتقاليد المُسَّلَم بها . الأمر الذي اكسبه الكثير من العداوات . كان في حياة بيريكليس في أمان لأن هذا السياسي الكبير معجبًا به كثيرًا ولكن بعد وفاته شرع أعداءه في الضغط عليه لكي يسحب معظم اقواله ولكنه استمر بالعمل في الخط الذي رسمهُ وما كان يعتقد أن الحاجة تدعو إلى مناقشته وأخيرًا حكم عليه بالموت بواسطة شرب سم الشوكران القاتل بتهمة إفساد الشباب  . وهو من أكثر النباتات المائية سُمية على وجه الأرض ... اتبع في بحثه عن النفس منهج التأمل والتحليل الذاتي وكان يقول ان المعرفة الحقيقية موجودة في داخل الانسان وعلى من يريد الوصول اليها ان يناقش نفسه وهو اول من ذكر ما سمى بـ ( اللاشعور) وسبب ذلك لان السلوك كثيرا ما يكون غامضا وليس بالإمكان التعرف على اسبابه      .

 

أفلاطون :

 

هو فيلسوف يوناني كلاسيكي وكاتب لعدد من الحوارات الفلسفية ويعتبر مؤسس اكاديمية أثينا التي كانت أول معهد للتعليم العالي في العالم الغربي . وضع الأسس الأولى للفلسفة الغربية والعلوم . تأثر بأفكار استاذه سقراط وأثرت فيه طريقة إعدامه . ظهر نبوغه وجمال اسلوبه بشكل واضح في محاوراته السقراطية في نحو ثلاثين منها وقد تناولت مواضيع مُختلفة حول : نظرية المعرفة والمنطق واللغة والرياضيات وأبدع فيها واعتمدها بكل فلسفته حتى انه كتب على جدار منزله عبارة ( لا يدخل عليّ من ليس مُهندساً . ( ولد في أثينا عام 427 ق . م . وينحدر من عائلة أرستقراطية عريقة كان لها دور كبير في المجتمع اليوناني . عاش حياته عندما كانت الثقافة في أوج ازدهارها في أثينا في عهد بيركليس . عهد العلم السقراطي وفن فدياس .

 

ذكر المؤرخ ديوجين ليوشيس ان والده يرجع نسبه إلى أحد ملوك أثينا ومن أمه إلى ملوك ميسينيا . لم يشترك بشكل مباشر في الحياة السياسية ولكنه كان يدعو إلى تغيير النظام السياسي وجعل الفلاسفة ملوكاً لأنه كان مقتنعاً تماماً بأنهم سيحولون العالم الى اتجاه الخير . اهم ما جاء به هو تقسيمه النفس الى ثلاثة أقسام :  

 

النفس العاقلة والغضبية والشهوانية . كان يرى ان النفس العاقلة فضيلتها الحكمة أما الغضبية فأن فضيلتها الشجاعة والشهوانية فضيلتها العِفَّة ومن آرائه خلود النفس وعدم فنائها ودليله في ذلك وجود الخير الذي ينفع في كل شيء والشر الذي يُفسد ويهدم . كذلك يقول انها تنتقل من بدن الى اخر وتبقى حُرة قبل ان تعود الى الأجساد .


أَرِسْطُو : ‏( 384 ق . م - 322 ق . م ) أَرِسْطُوطَالِيس المعلم الأول :  

 

هو فيلسوف يوناني وأحد تلاميذ أفلاطون ومعلم الإسكندر الأكبر ومؤسس مدرسة ليسيوم والفلسفة المشائية والتقاليد الأرسطية ويعتبر أحد عظماء المفكرين . تغطي كتاباته مجالات عدة منها الفيزياء والميتافيزيقيا والشعر والمسرح والموسيقى والمنطق والبلاغة واللغويات والسياسة والحكومة والأخلاقيات وعلم الأحياء وعلم الحيوان . كان لفلسفته تأثيرا فريدا على كل أشكال المعرفة تقريبًا في الغرب . ولد في مدينة اسطاغيرا مقدونيا سنة 384 ق.م . كان والده نيكوماخوس طبيبًا لدى الملك أمينتاس الثالث جد الاسكندر الأكبر وقد ترك أرسطو مقدونيا إلى أثينا وهو في 17 من عمره لينال تعليمه والتحق فيها بأكاديمية أفلاطون التي استمر فيها 20 عاما قبل أن يغادرها في 348 ق . م . وبعد وفاة أفلاطون سنة 347 ق.م. ارتحل إلى آترنيوس وهي إحدى المدن اليونانية في آسيا الصغرى وتزوج شقيقة حاكمها هرمياس وبعد ثلاث سنوات تلقى دعوة من الملك فيليبوس المقدوني ليكون معلم ابنه الذي أصبح فيما بعد الإسكندر الكبير . لازمه صديقًا ومعلمًا ومستشارًا حتى قام سنة 334 ق.م بحملته الحربية الآسيوية وكان يرسل من البلدان التي يمر فيها نماذج من نباتاتها وحيواناتها إليه من اجل زيادة اطلاعه وتسهيل أبحاثه ودراساته ومن هنا استطاع أرسطو أن يُؤسس مايعتبر ( أول حديقة حيوان في العالم  ) في أثينا عام 332 ق . م . افتتح مدرسة لوقيون . وقد عرف أتباعه بالمشائين لأنه كان من عادته ان يمشي بين تلامذته وهو يلقي عليهم الدروس . وظل يدير مدرسته 13 عام . على الرغم من عداوة الأثينيين لمقدونيا التي استعبدتهم . اجتذبت مدرسته الكثير من التلامذة وأمست مركزًا للأبحاث البيولوجية والتاريخية والشئون الحكومية والإدارية ولم يكن ثمة موضوع يناقش في أيامه لم يتطرق إليه ويوضحه ومن أشهر مؤلفاته : أورغانون . السياسة . فن الشعر . المنطق . تاريخ الحيوانات وعلم الفلك .

 

عندما توفي الاسكندر سنة 323 ق.م وقعت حكومة أثينا بين أيدي أعداء المقدونيين ولأنه من أنصارهم دبروا له تهمة الإلحاد . فخشي الاضطهاد والمصير الذي آل إليه سقراط من قبله فهرب إلى مدينة خلسيس حيث أصيب بمرض بعد ذلك بسنة ومات في سن الثالثة والستين سنة 322 ق.م .  كان قد اتبع المنهج العلمي الذي يقوم على الاستقرار والملاحظة الخارجية ووسيلته في هذا الإحساس والإدراك لانهما من وسائل المعرفة . ولم يؤمن بثنائية الجسم والروح بل قال انهما يُكونان جوهرا واحدا وان الروح شيئا ماديا بل انها مجموعة من الوظائف الحيوية للكائن الحي لأنها تتمثل:

 

أ : الامتصاص والتغذية : وظيفتها المحافظة على بقاء الكائن الحي .

ب : الحس والحركة : ووظيفتها ارتباط الكائن الحي ببيئته .

ج : الشعور والتفكير: وهو ما يميز الإنسان عن غيره من الكائنات الحية .

 

2 : الفلسفة العربية والاسلامية :


أ : الفلسفة العربية :

 

أطلق الحكماء العرب على قدماء الفلاسفة اليونانيين كلمة الأسلاف . لانهم كانوا يعدُّون أنفسهم ورثتهم ولكن كيف وصلت هذه العلوم إلى العالم العربي ؟ ومَن هم الأفراد أو المُؤسسات التي ترجِمَتْ مخطوطات الفلسفةُ اليونانية إلى اللغة العربية ؟ وما المقصود بالفلسفة العربية ؟ وحتى نفهَم يجب التمعن في كلمة فلسفة . هذه الكلمة يرجح ظهورها في القرن الثاني للهجرة ( الثامن الميلادي ) ولا ريب أن هناك ثمة مُحاولات لترجمتها الى كلمة الحكمة . ومن المهم ان نعرف ان الفلاسفة العرب لم يكونوا جميعهم مسلمين . بل كان منهم اليهود والنصارى والوثنيين مثل ثابت بن قرة ومنكري الوحي مثل أبي زكريا الرازي والمشككين مثل ابن الراوندي . لكنهم جميعا عاشوا في ظل المجتمع الإسلامي ولم يعملوا في هذا المجال من اجل تأويل القرآن أو التوراة أو العهد الجديد بل سعيًا منهم الى ايضاح ما يُمكن للبشر أن يفهموه بخصوص العالم والإنسان . وكانت منطلقاتهم المشتركة هي عناصر معرفية يقبلها الجميع وهي معطيات العقل البشري .

 

الدور العربي :  


كانت شعوب الشرق قبل الإسلام قد ترجمت إلى لغاتها (السريانية والفارسية) بعض كتب القدماء واستمرت هذه العملية حتى بعد الإسلام جنبا إلى جنب مع الترجمة إلى العربية ولم يتم الرجوع إلى المؤلفات الإغريقية إلا في مرحلة لاحقة . ولم يكن العرب مجرد ناقلين وشارحين للتراث اليوناني فحسب بل كان لهم الاثر في نشوء الفكر الفلسفي الإسلامي وفي الإنتاج المعرفي بشكل عام سواء في اللغة أو علم الكلام أو في الفلسفة أو الفلك . ويذهب ديمتري غوتاس إلى أن عملية الترجمة في العصر العباسي تحديدا جاءت بسبب حاجات ذلك العصر على ما تنعكس في بنيته وأيديولوجيته المترتبة على ذلك ومن الصعب تفسير عملية الترجمة على أساس النظريتين السائدتين :  

 

الأولى : أن حركة الترجمة كانت نتيجة حماسة علمية لدى نفر من المسيحيين الناطقين باليونانية .

 

الثانية : تشجيع الحكام المتنورين لعملية الترجمة .


في العام 529 أو 530 للميلاد أغلِقَتْ مدرسةُ أثينا الأفلاطونية المُحدَثة على أثر إبرام فرمان إمبراطوري يحرِّم على جميع سكانها من الوثنيين المسيحيين تعليم الفلسفة فيها الأمر الذي اضطر أساتذتها الذين كان بعضهم سوري الأصل إلى اتخاذ طريق المنفى . ونحن نعلم أنهم لجأوا إذ ذاك إلى طيسفون حيث بلاط كسرى الأول أنوشيروان الذي حكم بين العامين 531 و578 بعد الميلاد . غير أنهم لم يلبثوا هناك إلا سنة أو سنتين ثم عادوا إلى ديار الروم ولا احد يعرف المكان الذي استقروا فيه يومذاك .

 

ب : الفلسفة الاسلامية :  

 

هو مصطلح يمكن أن يعرف على انه الفلسفة المستمدة من نصوص الدين الاسلامي بحيث يقدم تصوره ورؤيته حول الكون والخلق والحياة والخالق . لكن الاستخدام الاخر الأعم يشمل جميع الأعمال والتصورات الفلسفية التي تمّت وبُحثت في إطار الثقافة العربية والإسلامية دون أي ضرورة لأن يكون مُرتبطا بحقائق دينية أو نصوص شرعية .  

 

بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وصلت الفتوحات الإسلامية إلى جنوب غرب آسيا وشمال شرق أفريقيا . وتوحدت مصر وبلاد الشام مع بلاد وادي الرافدين وفارس وما بعدها . نتج عنها تطورات اقتصادية انعكست على كافة نواحي الحياة فأدخلت صناعة الورق على يد أسرى صينيين في النصف الثاني من القرن الثامن الميلادي . ولهذا بدأ العلماء في مراكز العلم ( الرها . قنسرين . نصيبين . الموصل . جندي سابور ) دراستهم دون وجود وجهة نظر أرثوذكسية رسمية كما يقول ديمتري غوتاس . ومع أن الكثير من الباحثين ذهبوا إلى أن الفلسفة اليونانية لم تدخل إلى الفضاء الثقافي الإسلامي إلا في عهد الخليفة العباسي المنصور ومن بعده المأمون إلا أن الأبحاث الحديثة بينت أن اتصال العرب مع الثقافة اليونانية حصل مع عملية الفتح الإسلامي لأمصار حافظت على مراكز البحوث فيها كما هو الحال في الإسكندرية قبل أن تنتقل عملية التدريس العلمي ( فلسفة . فلك . رياضيات ) إلى أنطاكية وحران زمن الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز .


العصر الأموي :


كان اتصال العرب بالعلوم والفلسفة اليونانية قد حصل في القرن السابع حيث ترجمت كتب أرسطو على يد مارابا ويوشع بخت ودنجا وطيماوس الأول . وفي مدينة جندي سابور كان ثمة مدرسة علمية تضم العلوم اليونانية والسريانية والفارسية والهندية . وذكر ابن كثير أن عملية التواصل الثقافي بدأت خلال المئة الأولى . وقال ابن النديم : عندمـا خطر ببال خالد بن يزيد الصنعة أمر بإحضار جماعة مــن فـلاسفة اليونان ممن كـانوا ينزلون مدينة مصر وقـد تفصح بالعربية وأمرهم بنقل الكتب مـن اللغة اليونانية والقبطية إلى العربـية وكان هـذا أول نقل فــي الإسلام من لغة إلى آخرى . وفي عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز جرت عملية ترجمة بدوافع شخصية أيضا فقد طلب من الطبيب اليهودي ماسرجويه ترجمة مجموعة أوراق ومُؤلفات في الطب للقس اهرن الإسكندري . كان المسلمون يعون آنذاك أن الحكمة اليونانية تحتوي على عناصر غريبة عن الإسلام لكنهم كانوا مقتنعين انها ستساعد في ترسيخ الإيمان كما أنهم كانوا على قناعة بأن كل معرفة إنما تنطوي على شيء قيّم وهذه الفكرة الأخيرة وجدت المسيحية صعوبة في اكتشافها.

 

لقد تفرعت مدرسة أفلوطين إلى فرعين : الأولى في أثينا بزعامة أبرقلس والثانية في الشام بزعامة يامبلي خوس . وعندما فر فلاسفة المدرسة الأولى إلى جندي سابور عكفوا على ترجمة التراث اليوناني إلى الفارسية . أما الثانية فكانت من نصيب السريان ومنهم حنين بن اسحاق وقسطا بن لوقا البعلبكي . وانعكس ذلك بشكل واضح على الفلاسفة الإسلاميين الذين تداخلت عندهم الأفكار المشائية مع الأفكار الأفلاطونية المُحدثة ولم تحل هذه المشكلات إلا مع بدء الترجمة اليونانية مباشرة إلى العربية أثناء حركة الترجمة الكبيرة .

 

العصر العباسي :  شهدت عملية ترجمة التراث اليوناني إلى العربية عدة مراحل   :


1 : زمن خلافة المنصور والمهدي والرشيد من عام 753 م إلى عام 813 م : ترجم كتاب إقليدس في الهندسة وكتاب طيماوس لأفلاطون ثم الكتب العلمية على يد يوحنا بن ماسويه . ويتحدث صاعد الأندلسي عن ولع أبي جعفر المنصور بالعلوم فيقول : كان يوما مريضا فعالجه الطبيب جرجس بن جبرائيل حتى شفـي علـى يديه فطلب منه أن يترجم له كتبا طبية ففعـل . وفي عهد المهدي تُرجمت مقولات أرسطو إلى العربية عبر السريانية عن طريق البطريرك النسطوري طيماثاوس الأول واستمرت زمن هارون الرشيد الذي جلب إلى بيت الحكمة في بغداد ما وجده في عمورية وأنقرة وسائر بلاد الروم وكان يشترط على الأمم المغلوبة أخذ الكتب التي يريدها .


2 : في المرحلة المُمتدة بين عامي 813 م ـ 912 م ازدهرت عملية الترجمة خصوصا في عهد المأمون الذي كان تلميذا لأحد شيوخ المُعتزلة وأطلع من خلاله على كتب فلاسفتهم وترجمت خلالها كتب الفلك والطب والفلسفة والمنطق وما وراء الطبيعة ( المجسطي ترجم كتاب الفلك لبطليموس وكتب أبقراط وجالينوس في الطب وأرسطو في المنطق وما وراء الطبيعة ) وقد تكون المرة الأولى في التاريخ التي يطالب بها سلطان من آخر إعطاءه مجموعة عظيمة من الكتب فقد عرف عن سلاطين الروم أنهم منعوا أخذ كتب الفلاسفة اليونانيين أو ترجمتها . فقد راسل المأمون إمبراطور الروم شخصيا وطلب منه كتب أفلاطون وأرسطو وأبقراط وجالينوس وإقليدس وبطليموس.


يذكر صاعد الأندلسي : أنجز المأمون ما بدأ به جده المنصور فـأقبل علـى طلب العلم من مواضعه واستخراجه مـن معادنه فـداخل ملوك الروم وأتحفهم بالهدايا وسألهم صلته بما لديهم من كتب الفلاسفة فبعثوا إليه بما حضرهم مـن كتب أفـلاطون وأرسطـو طاليس وأبقـراط وجالينوس وإقليدس وبطليموس.

 

3 : استمرت المرحلة الثالثة من عملية الترجمة بين عامي 300 هـ ـ 350 هـ فقد انجزت فيها ترجمة كتب أرسطو واشتهر منهم أبو بشر متى بن يونس وأبو سليمان السجستاني وفي زمن المأمون تحولت مكتبة بيت الحكمة إلى مُؤسسة علمية بكل ما تحمله الكلمة من معنى فأصبح لديها خزانة كتب ضخمة ومراصد فلكية ونساخون ومُترجمون مهرة .


لقد انطلق الكثير من الفلاسفة المسلمين واستمدوا من نصوص القرآن القاعدة على استخدام العقل للتزود بالمعرفة فذكر : أفلا تعقلون . أفلا تتفكرون . لقوم يعقلون . وقال الكندي : إنها علم الأشياء بحقائقها بقدر طاقة الإنسان لأن غرض الفيلسوف إصابة الحق . والفلسفة الاسلامية تقدم احيانا على أنها كل عمل فلسفي قام به فلاسفة مسلمون ومنهم :

 

ابن خلدون : هو عبد الرحمن بن محمد الذي كان يكنى بأبي زيد نسبة الى ولده الأكبر كما لقب بولي الدين لأنه شغل منصب القضاء في مصر واسس علم الاجتماع.


من اهم آرائه :

1 : أكد على أهمية الحياة الاجتماعية والتعلم في نمو العقل وتطوره .

2 : قال ان للعقاب آثار سيئة في شخصية المتعلم .

3 : يرى أن اللجوء الى اختصار المعلومات اختصارا شديدا يجعلها صعبة الفهم على المتعلم ويؤثر عليه وعلى تحصيله .

4 : نادى على ضرورة الابتعاد عن تراكم المعلومات وتنوعها على المُتعلم لما لها من اثر سلبي في تحصيله وقد اكد على اهمية التخصص والمعرفة  .

5 : اكد على اهمية العلاقة بين المُعلم والمُتعلم التي ينبغي ان يُراعى فيها امور كثيرة منها ان يُطيَّب نفس الطالب ولا يُحزنه فيميت ذهنه.


الفارابي 260 - 339 :هـ/ 874 - 950 م  :

اشتهر بإتقان الحكمة . وكانت اهتماماته الرئيسية في علوم ما وراء الطبيعة وفلسفة السياسة والمنطق والموسيقى والأخلاق ونظرية المعرفة .


ابن سينا : 370 - 427 هـ / 980 - 1037 م  :

هو الشيخ أبو عَلْي الحُسَيْنَ بن عَبد الله بن الحسَنَ بن عَلْي بن سِينَا البَلْخيّ . عالم مُسلم اشتهر بالطب والفلسفة واشتغل بهما وكلمة شيخ تعني الأستاذ وقد لقب بالرئيس لأنهُ اشتغل بالسياسة وشغل منصب الوزارة وكانت ابرز آراءه التربوية  :

1 : بحث في طبيعة النفس وصنفها الى ثلاثة اقسام :

أ : النفس النباتية : قال ان من خصائصها التنفس والتغذية والنمو والتكاثر .

ب : النفس الحيوانية : من خصائصها الإدراك المحدود والحركة الإرادية .

ج : النفس الإنسانية : من خصائصها التفكير الواسع والإدراك الواسع .

 

2 : يرى الى جانب الفروق بين الكائنات الحية ان هناك فروقا فردية بين شخص واخر في سماته وخصائصه المُختلفة ولابد للمُربين من مراعاة ذلك في عملية التعلم  .

3 : الاستعدادات الفطرية : يُشير الى ان ما يدفع الفرد الى اختيار فرع معين هو ما يتمتع به من استعدادات فطرية لأجل التعرف على اساس قياسها وتنميتها وتحويلها الى قدرات.

4 : التوجه المهني : يرى اذا ما أراد مربي الصبي ان يختار له مهنة فلابد من ان يتعرف على طباعه ويختبر ذكائه  .

5 : الاخلاق المُكتسبة : لقد اختلف العلماء فيما اذا كانت الاخلاق مُكتسبة او موروثة لكنهُ قال ان الجميل منها والقبيح هي مكتسبة  .

 

يعقوب بن إسحاق الكندي :185 - 256 هـ / 805 - 873 م  :

برع هذا الرجل في الفلك والفلسفة والكيمياء والفيزياء والطب والرياضيات والموسيقى وعلم النفس والمنطق ويعتبر أول الفلاسفة المُتجولين كما اشتهر بجهوده في تعريف العرب والمُسلمين بالفلسفة اليونانية القديمة والهلنستية .


ابن النفيس :607 - 687 هـ/ 1213 - 1288 م

عالم موسوعي له إسهامات كثيرة في الطب . ومن مُؤلفاته في المنطق : شرح الإشارات وكذلك شرح الهداية .


ابن الهيثم :

عالم موسوعي قدم إسهامات كبيرة في الرياضيات والبصريات والفيزياء وعلم الفلك والهندسة وطب العيون والفلسفة العلمية والإدراك البصري والعلوم بصفة عامة من خلال تجاربه التي أجراها مُستخدمًا المنهج العلمي ولهُ العديد من المُؤلفات والمكتشفات العلمية التي أكدها العلم الحديث.


ابن حزم :

هو علي بن حزم الأندلسي 1064 م ويُعد من أكبر علماء الأندلس والإسلام تصنيفًا وتأليفًا بعد الطبري وهو إمام حافظ . فقيه ظاهري ومُجدد القول به . كما أنه أديب وشاعر وفيلسوف .


الغزالي 450 - 505 :هـ / 1058 - 1111 م

 

هو محمد بن احمد الغزالي . كان فقيهاً وفيلسوفاً صوفيّ الطريقة شافعيّ الفقه . وكانت ابرز آرائه التربوية :

 

1 : آثر كل من البيئة والوراثة في شخصية الفرد : البيئة بما تحويه من مُؤثرات أخلاقية وثقافية ودينية تساهم في بناء الشخصية والاستعدادات الموروثة التي لا يمكن للتربية ازالتها ولكن يمكن توجيهها وتقليل اثارها السيئة او توظيفها بأفضل صيغة  .

2 : الفروق الفردية :  كان يرى ان هذه الفروق تأتي بسبب البيئة او الوراثة ولابد من مُراعاتها من البداية في تعليم الأطفال وفي هذا يقول كما ان الطبيب لو عالج جميع المرضى بعلاج واحد لقتلهم جميعا ً.

3 : ان تكون مادة التعلم بمُستوى المُتعلم : اذ يرى ان عدم تطبيق القاعدة سيضر بالمُتعلم والمُجتمع  .

4 : الاهتمام بالجانب العملي من العلم والمعرفة :  اذ كان يؤكد على اهمية تطبيق المُتعلم لما يتعلمه من معرفة فالعلم المُجرد لا يفيد دون ان يوظف بشكل علمي وفي هذا يقول : لو قرأ مئة الف مسألة علمية وتعلمها ولم يعمل بها لن تفيده .


إخوان الصفا : هم جماعة من فلاسفة المُسلمين الذين كانوا في البصرة واتحدوا على أن يوفقوا بين العقائد الإسلامية والحقائق الفلسفية المعروفة في ذلك العهد فكتبوا خمسين مقالة سموها تحف إخوان الصفا . وهنالك كتاب آخر ألفه الحكيم المجريطي القرطبي المُتوفى سنة 395هـ وضعه على نمط تحفة إخوان الصفا وسماه رسائل إخوان الصفا .

 

الفلسفة الحديثة :

نشأت الفلسفة الحديثة في أوروبا الغربية . وهي ليست عقيدة مُحددة أو مدرسة ولهذا لا ينبغي الخلط بينها وبين الحداثة وقد حُدّد القرن الـ 17 وبداية الـ 20 تقريبًا كبداية ونهاية لها في آن واحد .

 

تاريخ الفلسفة الحديثة  :

تنقسم الشخصيات الرئيسية في فلسفة العقل ونظرية المعرفة والميتافيزيقيا خلال القرن 17 و 18 إلى مجموعتين . تجادل العقلانيون ومعظمهم في فرنسا وألمانيا حول موضوع أن جميع المعارف يجب أن تبدأ من الأفكار الفطرية المحددة في العقل . العقلانيون الرئيسيون : هم ديكارت وباروخ سبينوزا وغوتفريد لايبنتز ونيكولا مالبرانش . وعلى النقيض رأى التجريبيون أن المعرفة يجب أن تبدأ مع التجربة الحسية . والشخصيات الرئيسية في هذا المجال هم : جون لوك وجورج بيركلي وديفيد هيوم . وعادةً لا يندرج علم الأخلاق والفلسفة والسياسية تحت هذه الفئات على الرغم أن كل هؤلاء عملوا في علم الأخلاق وكلا منهم وفقًا لأسلوبه المُميز الخاص . وتتضمن بعض الشخصيات الهامة في الفلسفة السياسية توماس هوبز وجان جاك روسو .


ديكارت :

كان أهم ما جاء به هذا الفيلسوف الفرنسي هو مُحاولة حل المشاكل العالقة بين العقل والجسد لان الجسم يشغل حيزا في الفراغ . أما العقل فله خاصية الشعور والتفكير الذي لايحتويه مكان . لذا فهما يختلفان ويتمايزان وليس بينهما اي ارتباط طبيعي سوى التفاعل الميكانيكي الذي يجري في الغدة الصنوبرية في المخ وقال : ان استجابات الحيوانات للمنبهات تحصل عند الغدة الصنوبرية ولا تجتازها وهي بذلك لا تشعر أما الإنسان فإنها تجتاز الغدة الصنوبرية وتذهب الى العقل فيشعر بها وعند ذلك تثير الأفكار والانفعالات والرغبات وبموجب هذه الرؤيا فقد اصبح موضوع علم النفس هو الشعور : وهو اهم خاصية من خواص العقل وما يفكر فيه الإنسان وما يستطيع رؤيته في نفسه .


لقد جاءت فلسفة القرن ال 19 البريطانية على نحوٍ متزايدٍ ليسيطر عليها خيوط فكر هيغلي جديد وكردةِ فعل تجاه هذا بدأت شخصيات مثل برتراند راسل وجورج إدوارد مور تتحرك باتجاه الفلسفة التحليلية التي كانت في الأساس استكمالًا للتجريبية التقليدية لاستيعاب التطورات الجديدة في منطق عالِم الرياضيات الألماني جوتلوب فريجه .


فلسفة النهضة :


أكدت النهضة الإنسانية على قيمة الإنسان وعارضت الدوغماتية والمدرسية . أدى هذا الاهتمام الجديد بالأنشطة البشرية إلى تطوير العلوم السياسية مع كتاب الأمير نيكولا ميكافيلي . اختلف الإنسانيون عن علماء العصور الوسطى أيضًا لأنهم رأوا أن العالم الطبيعي مُرتب وفقًا للتعددية الرياضية بدلًا من التفكير فيه من حيث الأهداف والغايات . ولعل أفضل تفسير لفلسفة عصر النهضة افتراضين قدمهما ليوناردو دافنشي في ملاحظاته : جميع معارفنا لها أصول في تصوراتنا . وليس هناك يقين إذا لم يتمكن المرء من تطبيق أي من العلوم الرياضية أو العلوم التي تستند إليها  . وبالمثل اعتمد غاليليو غاليلي على أسلوبه العلمي في التجارب ولكنهُ طور طرائق رياضية لتطبيقها على المسائل في الفيزياء وقد شكلت هاتان الطريقتان لتصور المعرفة الإنسانية خلفيةً لمبدأ التجريبية والعقلانية على التوالي  .ومن فلاسفة النهضة  :بيكو ديلا ميراندولا . نيكولاس الكوزاني . جوردانو برونو . غاليلو غاليلي . نيكولا ميكافيلي . ميشيل دي مونتين . فرنسيسكو سواريز .

 

العقلانية  :

تبدأ الفلسفة الحديثة تقليديًا مع رينيه ديكارت ومقولته ( أنا أفكر إذًا أنا موجود) في أوائل القرن السابع عشر سيطرت المدرسيّة على الجزء الأكبر من الفلسفة واستندت على كتابات أفلاطون وأرسطو والكنيسة في مراحلها المبكرة .

 

قال ديكارت : أن العديد من مذاهب الميتافيزيقيا المدرسيّة السائدة بلا معنى أو خاطئة واعتزم أن يبدأ الفلسفة من الصفر . قال ذلك في أهم أعماله (تأملات في الفلسفة الأولى) في ست مقالات موجزة . حاول أن ينحي قدر الإمكان كل معتقداته لتحديد ما إذا كان أي شيء يعرفه مؤكد . لكنه وجد أنه يستطيع أن يشكك في كل شيء تقريبًا : حقيقة الأشياء المادية . ذكرياته . الله . تاريخه . العلم . الرياضيات . لكنه لا يستطيع أن يشكك في أنه في الحقيقة متشكك . وهو يعرف ما يفكر فيه حتى وإن لم يكن صحيحًا ويعرف أنه يفكر في ذلك . من هذا الأساس يبني معرفته مرة أخرى . ويجد أن بعض الأفكار لا يمكن أن تنبع منه وحده بل من الله مثبتًا انه موجود . ثم أثبت أن الله لن يسمح له بأن يُخدع بشكل منهجي حول كل شيء فهو في جوهره يبرر الطرائق العادية للعلوم والمنطق باعتبارها معصومة من الخطأ ولكنها ليست زائفة . والعقلانيون هم  :كرستيان فولف . رينيه ديكارت . باروخ سبينوزا . غوتفريد لايبنتس .


الفلسفة التجريبية  :

التجريبية : هي نظرية معرفة تعارض النظريات الأخرى مثل العقلانية والمثالية والتاريخية وتؤكد أن المعرفة تأتي (فقط أو بشكل أساسي) من خلال التجربة الحسية وتعارض بذلك العقلانية التي تؤكد أن المعرفة تأتي (أيضًا) من التفكير المحض . بينما تعترف التاريخية بدور الخبرة على أنه لا يمكن فهم البيانات الحسية دون النظر في الظروف التاريخية والثقافية التي يجري فيها إبداء الملاحظات . ان التجريبية واحدة من العديد من وجهات النظر المتنافسة التي تهيمن على دراسة المعرفة الإنسانية والمعروفة باسم نظرية المعرفة وتشدد على دور الخبرة والأدلة لا سيما الإدراك الحسي في تكوين الأفكار حول مفهوم الأفكار الفطرية أو التقاليد على عكس العقلانية التي تعتمد على العقل ويمكن أن تتضمن المعرفة الفطرية . والتجريبيون هم : جون لوك . جورج بيركلي . ديفيد هيوم . فرانسيس بيكون .

 

الفلسفة السياسية :

هي دراسة مواضيع مثل السياسة والحرية والعدالة والمُلكية والحقوق . وما الذي يجعل الحكومة شرعية ؟ وما هي الحقوق والحريات التي يجب أن تحميها ولماذا ؟ وما الشكل الذي ينبغي أن تتخذه ولماذا؟ وما هو القانون وما هي الواجبات التي تقع على المواطنين تجاه الحكومة الشرعية إن وجدت ؟ ومتى يمكن الإطاحة بها بصورة مشروعة ؟

 

يشير مصطلح ( الفلسفة السياسية ) غالبًا إلى رأي عام أو أخلاقيات محددة أو معتقد أو موقف سياسي حول السياسة التي لا تنتمي بالضرورة إلى الانضباط الفني للفلسفة.


الفلسفة الهندية :

تتمتع الهند بتقاليد فلسفية غنية يرجع تاريخها إلى نصوص الاوپانیشاد في الفترة الڤيدية المتأخرة . وتنقسم مدارسها الى متعصبة وغير متعصبة حسب اعتبارها الڤيدا مصدرا معصوما من المعرفة أم لا . ويوجد ( 7 ) مدارس متعصبة وثلاثة بدعية .

 

المتعصبة : هي نيايا وڤايسـِسيكا وسامكيا ويوگا وپورڤا وميمامسا وڤنداتا .

 

البدعية : هي الجاينية واالبوذية والمادية (كارڤاكا) ومع ذلك يصنف ڤيديارانيا الفلسفة الهندية إلى 16 مدرسة من ضمنها المدارس المنتمية إلى فكر السايڤا والراسـِسڤارا مع المدارس الأخرى.


إن تفوق الهند في الفلسفة أكثر منه في الطب ولكن يظهر أن فيثاغورس وبارمنيدس وأفلاطون قد تأثروا بالميتافيزيقيا الهندية أما آراء طاليس وأنكسمندر وأنكسمينس وهرقليطس وأناكسجوراس وأمباذقليس فهي لا تسبق فلسفة الهنود الدنيوية فحسب بل يغلب عليها طابع من الشك ومن البحث في الطبيعة المادية يميل بنا إلى ردها إلى ما شئت من أصول ما عدا الهنود ويعتقد ڤكتور كوزان أننا مضطرون اضطرارا أن نلتمس في هذا الميدان الذي درجت فيه الإنسانية منشأ الفلسفة العليا . لكنك لن تجد في العالم بلداً لديه حب ورغبة شديدة في الفلسفة مثل الهند لأنها جانب مهم لا غنى عنه في تعلقهم بالحياة نفسها وحكماءهم يتلقون من إمارات التكريم ما يتلقاه في الغرب رجال المال والأعمال . ولهذا نقرأ في اليوبانشاد كيف خصص ملك الفيديهيين يوماً لمناقشة فلسفية بإعتبارها جزءاً من الإحتفال الديني بين ياجنافالكيا وأسفالا وأرتابهاجا وجارجي ووعد أن يثيب الظافر منهم بمكافأة قدرها ألف بقرة ومائة قطعة من الذهب وكان المألوف للمعلم الفيلسوف في الهند أن يتحدث أكثر مما يكتب فبدل أن يُهاجم مُعارضيه عن طريق المطبعة المأمونة الجانب كانوا يُطالبونه بمُلاقاتهم في مُناظرة حية بالذهاب إلى مقارّ المدارس الأخرى ليضع نفسه تحت تصرف أتباعها في جداله وسؤاله ولقد أنفق أعلام الفلاسفة مثل شانكارا شطراً عظيماً من حياتهم في أمثال تلك الرحلات الفكرية وكان الملوك أحياناً يُسهمون في هذه المجادلات في تواضع يليق بهم وهم في حضرة الفيلسوف . ذلك إن أخذنا بما يرويه لنا الفلاسفة أنفسهم عن ذلك وينزل الظافر من تلك المناظرات منزلة عالية من البطولة في أعين الناس ويُعامل كانه قائدا عسكريا عاد من انتصارات دامية في ميادين الحروب .

 

وترى في صورة راجبوتية من القرن الثامن عشر نموذجاً لمدرسة فلسفية هندية فالمعلم جالس على حصير تحت شجرة وتلاميذه أمامه على الأرض ويمكنك رؤية مثل هذا المنظر أينما سرت في الهند لأن مُعلميها هناك كانوا في كثرة التجار في بابل ففي إحدى محاورات بوذا ما يدلنا على أنه قد كان في الهند في عصره إثنان وستون رأياً في النفس يأخذ بها الفلاسفة المختلفون . يقول الكونت كسرلنج : إن هذه الأمة قبل كل شيء لديها من الألفاظ السنسكريتية التي تعبر بها عن الفكر الفلسفي والديني أكثر مما في اليونانية واللاتينية والجرمانية مجتمعة  . لما كان الفكر الهندي قد إنتقل بالحديث الشفوي أكثر منه بالكتابة فأقدم صورة هبطت إلينا عن مذاهب المدارس المختلفة هي الحِكَم ويسمونها سترات ومعناها خيوط يكتبها المعلم أو الطالب لا لتكون وسيلة لشرح رأيه لغيره بل لتعينه على وعيها في ذاكرته وهذه السترات ترجع إلى عصور مختلفة فبعضها قديم يرجع تاريخه إلى سنة 200 م وبعضها حديث يرجع إلى سنة 1400م وهي جميعاً أحدث جداً من التراث الفكري الذي تلخصه وتناقلته العصور بالشفاه ذلك لأن نشأتها قديمة قدم بوذا بل ان السانخْيا كان قد ثبت أساسه عندما ولد بوذا .

 

ان الهنود يبوبون مذاهبهم الفلسفية كلها الى صنفين : المذاهب الأستيكية التي تُثبت والناستيكية التي تنفي . وسميت (ناستيكا) أي الكافرة الهدامة لأنها شكت وأنكرت وتجاهلت أحكام الفيدات وكثير من مذاهب (آستيكا) شكت في وجود الله أو أنكرت وجوده لكنها مع ذلك سميت بالمذاهب المؤمنة بأصول الدين لأنها سلمت بصواب الكتب المقدسة صواباً لا يأتيه الباطل كما قبلت نظام الطبقات ولم يفكر أحد في تقييد الحرية الفكرية مهما بلغت من الإلحاد عند تلك المذاهب التي إعترفت بهذه الأسس الجوهرية التي تقوم عليها الجماعة الهندية الأصلية ولما كان تفسير الكتب المقدسة يفتح مجالاً واسعاً لإختلاف الرأي بحيث إستطاع مهرة المفسرين أن يجدوا في الفيدات أي مذهب شاءوا فقد أصبح الشرط الوحيد في واقع الأمر الذي لابد من تحققه إذا ما أراد الإنسان أن يكون ذا مكانة عقلية في نفوس الناس هي أن يعترف بالطبقات حتى أصبح هذا النظام هو مصدر السلطان الحقيقي في البلاد . ومعارضته تعدّ خيانة كبرى وقبوله يغفر عن كثير من السيئات .

 

إن أوروبا في عصرنا هذا تزداد أخذاً من فلسفة الشرق كما يزداد الشرق أخذاً من علوم الغرب ويجوز أن تنشأ حرب عالمية أخرى فتفتح أبواب أوروبا (كما فتحت اليونان عند تحطم إمبراطورية الإسكندر وروما عند سقوط الجمهورية الرومانية) بحيث تتدفق اليها فلسفات الشرق وعقائده فثورته متزايدة وفقدان الأسواق الآسيوية التي كان من شأنها أن تقيم صناعة الغرب وازدهاره وضعف أوروبا لما يصيبها من فقر وكل ذلك قد يجعل من هذه القارة المنقسمة على بعضها غنيمة سهلة لديانة جديدة تجعل الناس يعقدون رجاءهم في السماء ويفقدون الأمل في الأرض ويجوز جداً أن يكون الهوى وحده هو الذي يجعل مثل هذا المصير مستحيلاً في رأي الناس في أمريكا لأن السكينة والاستسلام لا تتلائم مع الجو الكهربائي الذي نعيش فيه أو مع الحيوية التي تنشأ عن مصادر الثروة الغزيرة والأرض الفسيحة الأرجاء ولا شك في أن مناخنا سيكون لنا في نهاية الأمر درعاً واقية.


الفلسفة الإيرانية :

مكَّن تتبع الفلسفة فيما يتعلق بالتقاليد والأفكار القديمة التي نشأت في الجذور الهندية الإيرانية التي كانت تتأثر إلى حد كبير بتعاليم زرادشت . ولهذا وفقا لقاموس أوكسفورد يبدأ التسلسل الزمني لعلم الفلسفة بهؤلاء الذين يرجع تاريخهم إلى 1500 ق . م . وينص أيضًا على أن فلسفة زرادشت دخلت للتأثير على التقاليد الغربية من خلال اليهودية وبالتالي على الأفلاطونية الوسطى .

 

الفلسفة الصينية :

بدأ الفكر الفلسفي في الصين القديمة وازدهر خلال عهد أسرة تشو الغربية والفترة اللاحقة عندما انتشرت مدارس الفكر المئة في (القرن السادس إلى 221 ق . م ) تميزت هذه الفترة بالتطورات الفكرية والثقافية الهامة وبروز الكونفوشيوسية والقانونية والداوية والعديد من المدارس الأخرى الأقل نفوذاً . تشمل النظريات الميتافيزيقية والسياسية والأخلاقية التي طورتها هذه التقاليد ( تاو ويين ويانغ ورين ولي ) إلى جانب البوذية الصينية والفلسفة الكورية ذات التأثير المباشر والفلسفة الفيتنامية واليابانية (التي تشمل أيضًا تقاليد الشنتو الأصلية) . أثناء وصول البوذية إلى الصين انتشرت أسرة هان (206 ق . م . - 220 م) من خلال انتقال طريق الحرير التدريجي والتأثيرات المحلية على تطوير أشكال صينية مميزة (مثل تشان . زن) في جميع أنحاء المجال الثقافي لشرق آسيا . خلال السلالات الصينية اللاحقة مثل أسرة مينغ (1368- 1644) وكذلك أسرة جوسون الكورية (1392-1897) أصبحت نهضة الكونفوشيوسية الجديدة بقيادة مفكرين مثل يانغ مينغ (1472-1529) هي المدرسة المهيمنة . التي كان يروج لها إمبراطور الدولة  في العصر الحديث دمج المفكرون الصينيون أفكارًا من الفلسفة الغربية . تأثر هوشيه وصعود الكونفوشيوسية الجديدة بماو تسي تونغ في حين أن الفلسفة الماركسية الصينية طورها شيونغ شيلي . وتطور الفكر الياباني الحديث بنفس طريقة التأثيرات الغربية القوية مثل دراسة العلوم وجمعية الحداثة ميروكوشا الفكرية التي فكر فيها التنوير الأوروبي . وشهد القرن أل 20 صعود الدولة الشنتو وكذلك القومية اليابانية . ومدرسة الكيوتو الفلسفية المؤثرة والفريدة من نوعها التي تطورت من الظواهر الغربية والفلسفة البوذية في العصور الوسطى مثل دوغين .


الفلسفة الأفريقية  :

هي الفلسفة التي قدمت آراء وأفكار ومواضيع عالمية واستخدمت أساليب متميزة . والفكر الحديث مشغول بالفلسفة الإثنية مع تحديد معناها وخصائصها الفريدة وما يعنيه أن تكون أفريقيًا . خلال القرن السابع عشر طورت الفلسفة الإثيوبية تقاليد أدبية قوية كما جسدها زيرا يعقوب . كان الفيلسوف الأفريقي المبكّر هو أنطون ويليم أمو (حوالي 1703–1759) الذي أصبح فيلسوفًا قديرا في ألمانيا . وشهد الفكر الأفريقي المعاصر أيضًا تطور الفلسفة المهنية وفلسفة أفريكانا والأدب الفلسفي للمغتربين الأفارقة الذي تضمن تيارات مثل الوجودية السوداء للأميركيين الأفارقة . لقد تأثر المفكرون المعاصرون بالماركسية والأدب الأفريقي الأمريكي والنظرية النقدية ونظرية العرق الحرج وما بعد الاستعمار والنسوية .


فلسفة الأمريكيين الأصليين  :

هناك مجموعة واسعة من المعتقدات والتقاليد بين هذه الثقافات المختلفة واعتقاد لدى بعض الأمريكيين الأصليين بمبدأ الميتافيزيقيا المسمى الغموض العظيم . ومفهوم آخر مشترك على نطاق واسع هو مفهوم القوة الروحية . وفقًا لبيتر وايتلي فان العقل مدرك تمامًا للوقائع التجريبية (الأحلام والرؤى وما إلى ذلك) وكذلك بأسبابها . وتُعرف ممارسات الوصول إلى هذه التجارب المُتعالية بالشامانية . وهي ميزة أخرى من وجهات النظر الأمريكية في العالم وامتداد أخلاقياتها إلى الحيوانات والنباتات . في أمريكا الوسطى كانت فلسفة الآزتك تقليدًا فكريًا قام بتطويره أفراد تم الحفاظ على أفكارهم في العديد من المخطوطات . طرحت النظرة العالمية لهم مفهوم الطاقة أو القوة الكونية المطلقة التي يمكن فهمها على أنها طاقة كونية ثنائية وسعت إلى وسيلة للعيش في توازن مع عالم زلق دائم التغير . يمكن اعتبار نظرية تيوتل كشكل من أشكال وحدة الوجود . لقد طوّر فلاسفة الأزتك نظريات الميتافيزيقيا والمعرفة والقيم وعلم الجمال . وركزت أخلاقياتهم على البحث عن المعرفة والحكمة التي كانت تقوم على الاعتدال والتوازن في جميع الإجراءات كما في المُثل . ضرورية الخير الأوسط . وكان لحضارة الإنكا أيضًا نخبة من العلماء والفلاسفة الذين أطلقوا عليها اسم أوماكونا الذين كانوا مهيمنين في نظام تعليم الإنكا كمدرسين للدين والتقاليد والتاريخ والأخلاق . ان المفاهيم الأساسية لفكر الأنديز هي يانانتين وماسينتين التي تتضمن نظرية الأضداد التكميلية التي ترى أن الأقطاب (مثل الذكور والإناث والظلام والنور) أجزاء مترابطة من كل متناغم .

 

العِلْم :

هو دارسة العَالَم المادي والطبيعي من خلال التجارب والمُشاهدات والملاحظات التي يُمكِن اختبارها والتحقق منها عن طريق المزيد من البحث والمراقبة المنتظمة للأحداث والظروف من أجل اكتشاف الحقائق ووضع النظريات والقواعد بناءً على البيانات التي يتمّ جمعها . لذا فإنه يُمثّل البنيَة الماديّة المُنظّمة للمعرفة المُشتَقة من الملاحظات والمشاهدات .  

 

ولطالما كان الجنس البشري مُحبّاً للبحث والمعرفة والاستطلاع وبحاجة إلى فهم طريقة عمل الأشياء من أجل ربط المشاهدات والملاحظات بالتنبؤات فمنذ عصور ما قبل التاريخ عُرِف الإنسان باهتمامه بعلم الفلك وحاول إدراك التغيّرات الموسمية في مواقع الشمس والقمر والنجوم . وفي حوالي 4,000 عام قبل الميلاد اعتقد سكان بلاد ما بين النهرين أنّ الأرض هي مركز الكون وأنّ الأجسام السماويّة هي التي تدور حولها ولم يقتصر اهتمامهُم على علم الفلك بل امتدَّ إلى علوم المعادن وعلم الدواء المبنيّة على الملاحظة والتجربة فقام العُلماء بتطوير استخراجها لكن دون فهم العلوم المُتعلقة بها بدءاً من استخراج الحديد والنحاس والقصدير ما أدّى إلى ظهور العصر البرونزي حيث كان اعتمادهم على مبدأ المحاولة والخطأ إلى جانب ذلك قام الإنسان مُبكرًا باستخدام بعض النباتات لعلاج بعض الأمراض . وتجدر الإشارة إلى أنّ أول من حاول وضع النظريات جراء الاعتماد على ملاحظاتهم كان الإغريق ومنهم فيثاغورس وأفلاطون وأرسطو وقام سكان العديد من المناطق في العالم بدورهم في نقل العلم إلى جميع الناس كما حدث في الهند والصين والشرق الأوسط وأمريكا الجنوبية وصنعوا البارود والورق والصابون وعلى الرغم من ذلك كان التقدُّم العِلمي بطيئاً في حركته حتى القرن السادس عشر الميلادي حيث قام عَالِم الفلك كوبرنيكوس بإحداث ثورة في كيفية رؤية الأشخاص للكون كما قدّم العالِم هارفي أفكاراً حول كيفية ضخ الدم ونقله إلى أجزاء الجسم .


لقد تمّت ولادة العلم الحديث في القرن السابع عشر حيث بدأ الإنسان باكتشاف العالَم عن قُرب باستخدام الأدوات والأجهزة كالمِجْهَر والتلسكوب والساعة وجهاز قياس الضغط الجوي الباروميتر وبدأ العلماء بطرح القوانين لتفسير الظواهر والأحداث مثل الجاذبيّة الأرضية كما تمّ في القرن الثامن عشر تطوير أساسيات علوم الأحياء والكيمياء فيما يُعرَف بعصر التنوير وفيما بعد شَهِد القرن التاسع عشر جهوداً كبيرة وعظيمة للعديد من العلماء ومنهم عَالِم الكيمياء جون دالتون الذي قام بتطوير النظريّة الذرية للمادة وقدّم العالمين مايكل فاراداي وجميس ماكسويل نظريات مُتعلقة بالكهرباء والمغناطيسيّة إضافةً إلى ذلك حمل القرن العشرين في طياته العديد من الاكتشافات مثل : النظرية النسبيّة وميكانيكا الكَم ويُشار إلى أنّ جميع التطورات العِلميّة تدفع العلماء إلى إعادة تصورهم والتفكير بوجهات نظرهم مرة أخرى وبطريقة مُختلفة.

 

يُعدّ العلم أعظم جهد جماعيّ قام به الإنسان حيث تتمثّل أهميته في قراءة وفهم الطرق التي تعمل بها الأشياء . ليس فقط الاستفادة منها لذا فإنّه يُساهم في ضمان حياة صحية طويلة الأمد وجعلها أكثر متعة من خلال ممارسة الرياضة والترفيه ووسائل الاتصالات إلى جانب ذلك فإنّه يُوفر الدواء ويكتشف العلاج للعديد من الأمراض ويساعد على تخفيف الآلام ويُوفر الاحتياجات الأساسيّة بما في ذلك الماء والطعام اضافة الى انه غذاء الروح فهو أهمّ قنوات المعرفة ويساعد على الإجابة عن الأسرار العظيمة في الكون كما يُقدّم مجموعة متنوعة من الوظائف لصالح المجتمعات تتضمن تحسين جودة التعليم والحياة واكتساب المعرفة بالإضافة إلى المساعدة على مراقبة البيئات للحفاظ على حياة الحيوانات آمنة ويُقسَم اعتماداً على أساس المجالات التي يشغلها إلى ثلاث فئات رئيسية تشمل :

العلوم المُجرَّدة : وهي العلوم التي تقوم على دراسة العلاقات بين الكميّات والأرقام ومن الأمثلة على ذلك علوم الرياضيات والإحصاء .

العلوم الاجتماعية : وتتضمن دراسة الأنشطة الاجتماعية للإنسان بالاعتماد على العادات وعلم المنطق ومن الأمثلة على ذلك علم الاجتماع والعلوم السياسية وعلم الاقتصاد وعلم الجغرافيا .

العلوم الطبيعية : ويُطلق عليها أيضاً اسم العلوم الأساسية وتتضمن دراسة الحقائق الطبيعية وتقسم إلى مجالين هما :

1 : العلوم الفيزيائية : وتهدف إلى دراسة الكائنات غير الحية والظواهر الطبيعية التي تحكمها مجموعة من القوانين ومن الأمثلة على ذلك علوم الفيزياء والكيمياء وعلم الأرض (الجيولوجيا) والفلك والأرصاد الجوية والمعادن .

2 : العلوم البيولوجية : وتتضمن دارسة الكائنات الحية . كما ان للعلم أهداف عديدة تتمثّل في ثلاث نقاط رئيسية وهي :

 أ : الوصف : يُمثّل الوصف الهدف الأساسي والأول للعلم ويتحقق من خلال إجراء الملاحظات الدقيقة ومثال ذلك تحديد قضية ما لفهمها والبحث فيها والرجوع إلى السجلات الخاصّة بها وإجراء المسح للعينات والاستقصاء ومن ثمّ التوصل إلى نتيجة .

ب : التنبؤ: ويقوم على ملاحظة السلوكيات والأحداث المُرتبطة ببعضها البعض بشكل منظّم من أجل استخدام المعلومات للتنبؤ بما إذا كان حدث ما أو سلوك معين سيحدث في حالة معيّنة .

ج : الشرح والتوضيح : يُعدّ الهدف النهائي للعلم تحديد أسباب السلوكيات والأحداث في محاولةٍ لفهم الآليات التي من شأنها إيجاد حلول للأحداث والسلوكيات .

 

ويُبنى العلم اعتماداً على الطرق العلمية لجمع البيانات وإنشاء الفرضيات وتطويرها أو دحضها وعلى الرغم من وجود اختلاف في بعضها بحسب المجال الذي تشغله إلّا أنّها تشترك في عِدّة خصائص بحيث تُكسِب العِلْم صفته الأساسية ومنها :

1 : الملاحظة التجريبيّة : يعتمد العلم على الملاحظة المباشرة للعالَم وبالتالي تُلغَى أيّ فرضيات تتناقض مع الحقائق التي يُمكن ملاحظتها لكن لا ينطبق ذلك على أيّ من المجالات العلمية التي تعتمد على سبب مَحض أو على العاطفة أو غيرها من العوامل الشخصية.

 2 : التجارب القابلة للتكرار : يمتاز العلم بأنّ تجاربه قابلة للتكرار بمعنى أنّ أيّ شخص سوف يقوم بتكرار التجربة سيحصل على نفس النتائج مع الأخذ بعين الاعتبار بأنّ العالِم كان قد نشر الطريقة التي قام بممارستها للحصول على نتائج خاصة به حتى يتسنى لأيّ شخص القيام بها عند حصوله على التدريب المُناسب .

3 : النتائج المؤقتة : يُقصد بذلك أنّ النتائج التي يتمّ الحصول عليها اعتماداً على النهج العلمي مؤقتة لذا يتوجب على العلماء أن تكون لديهم القابلية للنقاش والطرح والسؤال والشك فيما إذ ظهرت معلومات جديدة تتعارض مع نظرياتهم وتتطلب تعديلها ومثال ذلك تمّ رفض نظرية العنصر الملتهب للنار والاحتراق عندما ظهرت أدلة ضدّها.

4 : الموضوعية: يعتمد العلم في نهجه وطريقة بحثه على الحقائق والأدلَّة الموجودة في العالم كما هي لا على المُعتقدات والرغبات إضافة إلى ذلك يسعي العلماء بشكل دائم لإزالة أيّ تحيُّزات عند إجرائهم لتجاربهم وأبحاثهم.

5 : المُراقبة المَنهجيّة : يُقصد بذلك أنّ العلم يعتمد على دراسات مُخططة ومُنظمة بعناية بدلاً من الملاحظات العشوائية والعَرَضِيّة فقد قال إسحاق اسيموف إنّ العبارة الأكثر إثارة في العلم هي (هذا مُضحك) حيث إنّه بعد أن يُلاحظ الإنسان شيئاً مُضحكاً ومُسلياً فإنّه يبدأ في فحصه واستكشافه بشكل منهجيَّ .

 

















إرسال تعليق

0 تعليقات