تورغينيف والحب الأول

مشاهدات

 




 
رند علي/ العراق/ بغداد

يحتوي الأدب الروسي على العديد من الأعمال الأدبية الرائعة والتي تعدُّ من أعظم الأعمال الأدبية العالميّة، وبشكلٍ خاصٍّ في مجال الرواية وفي مجال الشعر، حيثُ يظهر جليًّا في الأدب الروسي تأثّره على مرِّ التاريخ بكلّ مرحلة تاريخيّة وتطوراتها في روسيا، مثل غزو التتار لها واعتناقها للديانة النصرانية، ولكنَّ أعظم الأعمال الأدبية الروسية من شعر ونثر ومسرح كان ظهورها في القرن التاسع عشر الميلادي ففي هذه المرحلة نال الأدب حريّة أكبر سواء على مستوى الأسلوب أم الشكل أم الإعجاب بالانفعالات الإنسانية، ومن رواد هذه المرحلة   
فيودور ميخايلوفيتش دوستويفسكي  و الكونت ليف نيكولايافيتش تولستوي و ألكسندر سيرغييفتش بوشكين و إيڤان سيرجييفيتش تورغينيف

لماذا لاننسى الحب الأول ؟

تعد رواية الحب الأول للكاتب الروسي الكبير إيڤان تورغينيف الصادرة عن ( دار وتر ) بترجمة ( نديم مرعشلي) من أجمل الروايات القصيرة في الأدب الروسي في القرن التاسع عشر .
كتب إيڤان تورغينيف هذه الرواية  في عام 1862 أي قبل روايته الخالدة الآباء والبنون بعامين ، وتبدأ احداثها عندما يقرر مجموعة من الأصدقاء ان يحكي كل واحد منهم  قصة الحب الأول في حياته،  ويأتي دور صديقهم الأربعيني فلاديمير بيتروفيتش الذي عاش قصة مختلفة في حب امرأة لعوب ماكرة غايتها فقط أن تجمع المحبين حولها ..

زينايدا أليكسندروفنا الأميرة الفقيرة الماكرة  ذات الطباع السادية التي تجمع العشاق حولها رافعة اياهم خافضة اياهم على هواها، ومن دون ان يرف لها جفن، وآخرهم كان بطل القصة المراهق فلاديمير بيتروفيتش الذي هامَ حباً بهذه الحسناء الفاتنة.

(أية لذة تعادل الشعور لدى المرء بأنه المصدر الوحيد ، والعلة المستبدة ، وغير المسؤولة لبهجة الآخرين وتعاستهم ؟ )..


(إيتها العواطف الحية ، إيتها الألحان العذبة ، إيتها الصراحة والطيبة لروح عاشقة ، إيتها البهجة المتمادية لحنان الحب الأول ، أين أنتِ ؟ )

كان فلاديمير الأبن الوحيد لعائلة ثرية تربطها علاقات متينة مع النبلاء وأسياد البلد ، فوالدته امرأة ثرية لاتعيره ادنى اهتمام تزوجها والده الوسيم الذي يصغرها بعشر سنوات ( زواج عقل ) اي زواج مصلحة  ( كانت امي تكبره بعشر سنوات ، أمضت إلى جانبه عيشة حزينة ، كانت دائماً غائرة ، صموته ، لاتجرؤ على اعلان ما تكابد و كشف مابها بوجود زوجها الذي تخشاه كثيراً … وكان هو يبدي صرامة باردة تمنع من مؤالفته … أني لم ألق قط في حياتي رجلاً اكثر رصانة واكثر هدوء واكثر حزماً من والدي). يقع فلاديمير فريسة عواطفه تجاه زينايدا أليكسندروفنا
ويصبح واحداً من عشاقها الذين يتجمعون حولها كل ليلة  (لم أكن وحدي الذي كان يعشقها: أن جميع الذين كانوا يقربونها ، قد وقعوا في شراك هواها وكانت هي ايضاً تقبض على زمامهم ، وتبقيهم عند أقدامها .. كانت تتلهى بالإيحاء لهم بالأمل ، والخشية بتعاقب وتجبرهم على التصرف كدمى حسب مزاجها الآني). لكن بمرور الوقت يلاحظ انصرافها عنهم وشرودها وهي معهم ، وهنا يبدأ  بمراقبتها.
وبين دموع والدته وشرود زينايدا يضيع فلاديمير ، وتتصاعد الأحداث بينهم فمحبوبته تارةً تقترب منه تارةً تبتعد عنه إلى أن يكتشف علاقة والده بإبنة البرنسيسة الفقيرة !

(كنت لا ابكي ، ولاكنت مستسلماً لليأس . ولم اتسائل متى وكيف ذلك ، كنت حتى لا أتهم أبي.. ان ماكنت قد أخبرت به كان أقوى من قواي من أن تتحمله مقاومتي كنت مسحوقاً ، متلاشياً) .. وبعدها يقرر فلاديمير السفر تاركاً وراءه هذا الحلم الجميل الذي كان من نصيب والده ، قلب
زينايدا الذي حام حوله الكثير من العشاق كان من نصيب  بيوتر فاسليفييتش الذي لم يكن مثل باقي عشاقها فكان حازماً قوياً رفض ان يكون خاضع لها  مثل باقي عشاقها مما جعلها تهيم به حباً وفي احد مشاهد الرواية في اعتقادي ان تورغينيف ارادَ أن يثبت لنا ان داخل كل شخصية سادية تعذب الآخرين نفسياً او حتى جسدياً ميولاً مازوخية ففي احد المشاهد يتتبع فلاديمير اثر والده فيراه من نافذة احد المنازل يضرب زينايدا فيتألم لمنظرها ولسطوة والده عليها . فمن عبث الأقدار أن حبه الأول عاشقة متفانية في عشق والده ..

إيفان سيرجييفيتش تورغينيف: روائي روسي ولد في 9 نوفمبر في أوريول 1818 وتوفي في 22 أغسطس1883 في بوجيفال. كان أيفان تورغينيف في كتابة الرواية والمسرحيات والقصص القصيرة أشهر من نار على علم. ومن أعظم أعماله القصصية هي مجموعة قصص قصيرة بعنوان مذكرات صياد وهي تمثل ركن الرواية الروسية الواقعية، وكما تعد رواية الاباء والبنون من أعظم روايات القرن التاسع عشر .

إرسال تعليق

0 تعليقات