جزيرة الاحلام . الجزء الاول : القرار

مشاهدات


 

هناء الالوسي  

الساعة الان الثانية عشر ليلا . وكل من حولي خلد الى عالمه . جالت الافكار في داخلي كقنبلة صغيرة موقوتة لكنها تلوث أعماقي من الالم وتسرق مني النوم وتتركني مستيقظة طوال الليل . بين الواقع المظلم والافكار التي اعيشها في خيالي وتارة مع احلام مزعجة نتيجة الالم والاسى الشديد . بعد نقاش طويل مع نفسي غلبني النعاس فغفوت فاذا بي اتامل بركة ماء حولها طيور تحلق في السماء وتهبط . حاولت الاقتراب منها فرحلت بعيدا حينها نظرت الى الجانب الاخر فرأيت فتاة جميلة شقراء عيناها عسليتان تنظر الي وملامح وجهها الطفولي تكلمني وتقول : تعالي واقتربي مني لنحلق في عالم أخر ... رن جرس المنبه فاستيقظت .. فأبتسمت ونظرت في مرآتي وتبين اني كنت أحلم نعم انه حلم لكن ليتني لم استيقظ منه لاعرف الى أين كنت ذاهبة مع تلك الفتاة فهل الحياة معها كئيبة وهواءها فاسد ام جميلة وكل شيء عندها نقي أم عليّ عدم التفكير فيما رات عيني . نظرت من زجاج نافذتي فالضباب يزداد والبرد عم المكان والشمس اختفت من السماء لكثرة الغيوم والريح قاسية باردة .. قضيت وقتي مابين التفكير واللهو وما أن حل المساء حتى قررت ان التقي بنفسي بعيدا عن اجواء المنزل وصخبه ليكون لي قرارا فيما اعيش  ...


تركت كل مابيني وبين الناس وتصالحت معه ..

دعوته للقاء في مكان على شاطئ النهر

حيث الهدوء والنجوم

لبست أجمل ثيابي

جلست انتظر مجيئه

حلقت روحي الى السماء

لماذا يحدث كل هذا اي بلاء أصابني ؟

كي أتنازل عن سعادتي

الى أين سيأخذني المستقبل؟

هل سأنجو وأبدأ من جديد ؟

أم ستثمل نفسي قهرا ؟

في غمرة اسئلتي غرقت في أحلامي

ولابد أن أضع نهاية لكل هذا

وأكون نجمة لاتموت في بحر الهم

مت ميتة لثواني ثم صحوت

فاذا هو جالس ينظر لي

عاتبته .. لمته .. صرخت ... بكيت

ثم غيرت نبرة صوتي وملأتها حبا وحنانا

كفى ..كفى..كفى أيها القلب

كفاك طيبة ... فقد قررت الرحيل

رغم أنني ارفض هذا المبدأ

ولكن لاشي يبقى ...ولاشيء يرحل

وفي الفجر ..حملت أوراقي

كعصفور حلق في الفضاء

 فاليوم لست أنا التي كانت بالامس

استودعت الله نفسي ومضيت . أرتبكت وسألت نفسي عن ذلك اللقاء لانني احسست برجفة سرت في جسدي من ذاك الذي حدث وقراري في الرحيل وانتابني الخوف لبرهة لربما أقف على أرض متجمدة وعليّ أن اكون حذرة فهذا القرار قد يمثل حربٌ ضروس ولكني لابد أن ألعب دور الشراسة والمتحدية والرافضة لواقع محبط حزين ولن أكون كباقي النساء طيبة رقيقة ضعيفة كخيط الحرير ثم اذبح به ففي أعماقي بئر من المرارة حان وقت أزاحتها دونما صراع وعليّ أن أجد حياتي وفق المبدأ الذي رسمته والقانون الذي وضعته من أجل الخلاص من تلك الوحشة والعزلة رغم الضجيج الذي يحيطني فلا أحد عرف ماهو عالمي الداخلي وما هو عمق أحساسي كأمرأة كلما نظرت الى مرأتي وجدت شحوب وجهي واضحا والدموع ترقرقت في محجر عيني كأنني منهارة مُستسلمة والان سقط قناعي وازيحت الصخرة التي كتمت مشاعري حيث انفجرت وانتبهت لنفسي وقلت أنا كالذي أغلق عليه باب ورمي مفتاحه في بئر . حدقت في أعماقي الهاوية بعيون حزينة فاليوم لا أخاف أحد بقدر خوفي من نفسي ان تتراجع .. بلى سأستمر مادمت أنفقت الكثير من سنوات عمري بين تعب وسهر ومعاناة... عليّ أن أسير بخطى حقيقية ولن أنتظر سقوط جدراني الرطبة فقد حان الوقت لألجم نفسي .. فاليوم رأيت كل شيء فلم أنتبه لها فقد كنت عمياء .. ذلك اللقاء ابصرني تلك الوجوة الباسمة الضاحكة زيفا حيث قرات من العيون أنها حزينة بائسة بارعة في التصنع وممثلة لأدوار السعادة الخفية المليئة بالبؤس والشقاء وهاربة من واقع مؤلم لاتعرف الى اين يأخذها . حينها نهضت من مكاني وسرت في طريقي فكرت وفكرت وضعت همومي في كيس وأنا ماشية في الطريق وكأنني لا أعلم أين رميته كي لا أتذكر وجال في خاطري الى أين المسير وأي طريق سأسلك . كنت قد سمعت ان جارتي قررت الرحيل الى مكان أخر فأنتابني الفضول وفي طريق العودة أخرجت هاتفي وأتصلت بها وبعد السلام والسؤال عن احوالها قلت لها :

هل مازلت  تنوين الرحيل ؟

قالت : انها ستغادر خلال يومين وعن طريق البحر الى أحدى الدول دون ذكر اسمها .. فقلت لها : سأراك في الصباح . مر الليل والتفكير قد اخذ من عيني النعاس والنوم وكنت على عجالة أن يشرق الصباح واذهب الى جارتي عسى ان ألحق بها واكون معها .. وما أن حانت الساعة العاشرة صباحا حتى طرقت بابها وفتحت لي ودعتني الى الداخل فشربنا القهوة وحينها تحدثنا عن السفر وتفاصيله وأجوره وامضينا وقتا نشكي همومنا لبعض ثم عدت لمنزلي ودخلت غرفتي وأخرجت من خزانتي بعض من مصوغاتي الذهبية كي أبيعها واحصل على المال الذي يمكنّني من السفر وقد فعلت . وعاد الامل يداعب افكاري ويعزف في صدري لحن الحياة . حينها شعرت بغاية الفرح والرضى عن النفس .. مشيت بخطوات بطيئة وانا أتامل أين ستقودني خطواتي القادمة .


هل ساقذف بنفسي نحو المجهول ؟

أم أني على مفترق طريق العن فيه نفسي ؟

أم اتجه نحو السعادة أم الهاوية ؟

اليقين بالأمل الجياش سيتحقق وأظفر بما أريد وأبتغي الان وقد هيأت ماطلب مني سأذهب كي أدفع أجور السفر وأعلم متى سيكون في كل هذا الوقت وأنا أشعر أنني أخطأت وأجرمت وتلقيت العقاب ....حان الوقت كي اعتذر لنفسي فقد أذنبت بحقها ... بعد ان دفعت الاجور علمت أن موعد الرحيل سيكون بعد يومين ... قلت في نفسي أنها فرصة لوداع كل شي فهناك أماكن كنت أحبها وتربطني بها ذكريات وصديقات عليَّ ان اراهم دون أن أخبرهن بأني راحلة ... فخليط المشاعر الذي سيطر على قلبي كاد ان يجعلني اتراجع عن قراري ولكن الايام التي قضيتها اقوى من مشاعر الحنين والبقاء ... لا أستطيع الان التراجع فقد قررت وسأفعل وستهدأ ثورة المشاعر وتخمد نار عذابي ... انقضت اليومين وحان وقت الرحيل ففي هدوء الليل حملت حقيبة صغيرة فيها شي من الملابس على ظهري واطفأت مصابيح غرفتي وودعت كل مافيها من ذكريات قاسية دون أن أنظر خلفي ..انهمرت على وجنتي دموع ليست حزنا وأنما أسفا على عمر أنتهى الكثير منه دونما نجاح او فرح أو سعادة .. حاولت أن امسحها لكني لم أفعل فهي من تذكرني بما قاسيت وتألمت ودفعت من شبابي وسعادتي . تركت الدار وتوجهت الى مكان القارب الذي سيقلنا نحو الضفة الاخرى ... لم أتأسف لان رحلتي الجديدة مع الحياة قد بدأت الان .

إرسال تعليق

0 تعليقات