تاريخ حي الثورة في الموصل

مشاهدات


 

                                            
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل



تحدثتُ في مقال  سابق  ، وفي حلقة من برنامجي التلفزيوني (موصليات ) من على قناة الموصلية ، عن توسع مدينة الموصل سواء في جانبها الايمن أو الايسر .. وفيما يتعلق بالتوسع الذي شهدته مدينة الموصل في الجانب الايمن أي في الموصل القديمة ، نجد ظهور احياء جديدة ، وفي مختلف اتجاهات المدينة ففي جانبها الغربي نجد ظهور احياء من قبيل الموصل الجديدة ،  والرسالة ، واليرموك ، والثورة .
وفي هذا المقال ، سأقفُ  قليلا عن نشأة حي الثورة ،  واقول ضرورات الحياة والتوسع وزيادة السكان وانقسام الاسر  فضلا عن الهجرة من الريف الى المدينة ادى الى زيادة الطلب على الوحدات السكنية لذلك تأسست عدد من الجمعيات التعاونية لبناء المساكن في الموصل منها جمعية بناء المساكن للموظفين برئاسة السيد صبحي علي وجمعية بناء المساكن للمعلمين برئاسة السيد محمد النعيمي وقد اخذت هذه الجمعيات على عاتقها شراء الاراضي الزراعية وتغيير صنفها وفرزها وتوزيعها بالأقساط على اعضاء تلك الجمعيات .
لقد شهد الجانب  الايمن من مدينة الموصل ، حركة واسعة باتجاه تشييد احياء جديدة ابتداء من 1930 وحتى 1990 ، والتوسع لايزال مستمرا حتى كتابة هذه السطور . وفيما يتعلق ب( حي الثورة ) يمكن القول انه من الاحياء الجديدة التي استحدثت في الجانب الايمن من الموصل بين سنتي  1956  و1970 .
حي الثورة حي راقٍ ، ومنظم ، وحديث ، وعصري ، وفيه شوارع منسقة،  ومستقيمة . فضلا عن ان معظم سكانه هم من المعلمين والمدرسين ومن العاملين في حقل التربية والتعليم ، واذكر المؤرخ الموصلي الكبير الاستاذ سعيد الديوه جي ومجلسه العامر الذي يرتاده عدد من ابناء الحي ويعقد بعد صلاة العشاء ،والمربي الكبير الاستاذ أحمد الفخري ، والمربي الكبير الاستاذ ادريس عبد المجيد الذنون ، والطبيب الدكتور ابراهيم حبش ، والشاعر جميل الخطيب ، والطبيب والداعية الاسلامي الدكتور ادريس الحاج داؤد ، واستاذ العلوم  عبد الرزاق حسوان ، والشيخ  محمد شكري المفتي من العمادية  وكان اماما  وخطيبا لجامع الصديق  في حي الثورة ، ، والاستاذ جلال آوجي ، وطبيب الاسنان الدكتور كمال الدين الاحمدي ، والمكتبي الاستاذ احمد النيلة ، والاستاذ المربي محمد النعيمي والاستاذ محمد علي الذنون ، والاستاذ عبد الحافظ سليمان .
 وهناك دور حديثة هي اقرب الى القصور منها  قصر آل هكوري من عشيرة العكيدات وهو بيت الحاج احمد الهكوري رحمه الله  ويقع على (تل كهوة) في حي الثورة بني سنة 1961كان (قلعة شامخة ) و(معلما من معالم حي الثورة) ...........لي مقال عنه مساحته تقدر ب7000 متر مربع ، وعلامات الهرم  اليوم كما ترون في الصورة ظهرت عليه مع الاسف الشديد
.  كما ان هناك بيوتات اخرى سكنت الحي منها بيت حنون وبيت الرضواني وبيت النوري ومنهم الاستاذ صلاح النوري والاستاذ مؤيد النوري والاستاذ سالم النوري ، وبيت الكتبي ومنهم محمد قاسم المصحف 1904-1994  مجلد الكتب في شارع النجفي وهو آخر تلاميذ الامام الحاج محمد الرضواني وبيت الاستاذ محمود يونس ابو ليلى مدرس الرياضة الشهير وكان بيته مقابل جامع بيت الحافظ وهناك بيت البصو ومنهم الحاج شيت البصو . وبيت رائد الكشافة الموصلية الاستاذ عبد العزيز الطالب وبيت الاستاذ عبد الخالق الدباغ صاحب كتاب (الامثال الموصلية ) وبيت الاستاذ عبد الغني شريف وعائلة بيت الجدي وبيت الاستاذ محمد علي ذنون المشرف التربوي وبيت المربي الاستاذ طه القليه ،  وبيت الاستاذ عبد الله القليه جي وعائلة كشمولة والاستاذ جمال الدين النوري والاستاذ حكمت توفيق والاستاذ خزعل الياس صديق والاستاذ عبد الرزاق الحسو والاستاذ الدكتور عبد الله الفخري وعائلة بيت الطعان وبيت الدكتور ابراهيم حبش والاستاذ عبد الرزاق حنون وعائلة الدكتور أيمن الوتاري وعائلة بيت احمد السيدية وبيت الاستاذ يحيى الشيخ صالح ، واسرة زين العابدين ابو وائل .
وكان هناك قبل سنة 2003 اي قبل الاحتلال  الامريكي في حي الثورة مركز للشاب هو ( مركز شباب الثورة ) ، وكانت له نشاطات ثقافية ورياضية متنوعة .وبناية هذا المركز تم تنفيذها والمباشرة في الدوام فيها يوم 20 آذار سنة 1976 . كما زود تقاطع حي الثورة بالإشارات الضوئية وبلطت الكثير من الشوارع بعد سنة1968  .
سمي حي الثورة تيمنا بثورة 14 تموز سنة 1958 ، وهذا واضح من ملاحظة تأسيس هذا الحي والبدء ببناء الدور والمنشآت في سنة 1960 أي بعد سنتين من قيام الثورة .
قصة بناء حي الثورة في الموصل قصة طريفة ، وغريبة رواها الاخ الاستاذ محمود حسن آل اطليان النعيمي في الجزء الاول من كتابه الموسوم : ( تاريخ الموصل في قرن 1900-2003 ) وصدر عن مكتبة الجيل العربي في الموصل 2013 وكان لي شرف كتابة تقديم له ، وتقول القصة وهو يتحدث عن منطقة قريبة من باب سنجار تسمى منطقة ( تل كهوه) ،  وفي كتاب (اوراق سعيد الديوه جي ) 2021 ترد ( تل الهوه) هكذا  وتفصيل ذلك ان الشاعر عبد الباقي الفاروقي العمري ذكره وقال :
وواد حكى الخنساء في شجونها ** ولكن له عينان تبكي على صخر
اقمنا به ردحا طويلا فيا له ** زمانا تقضى كالصياية من عمر
فمن لي يرد الماضيات  فانه ** جميل بلوغ الطيبات على فقرِ
وقد قال الدكتور محمد صديق الجليلي ، ان سبب قول الشاعر يعود الى ان اهل الموصل كانوا يخرجون لاستقبال الولاة وفي ذلك الحين خرجوا لاستقبال احد ولاة الموصل قرب (تل كهوه) وهو الذي يقع عليه بيت هكوري في حي الثورة حاليا وكان الطريق الذي يمر من (تل كهوه) الى وادي العين (ووادي العين هي (عين عوينة) وعوينة  تصغير عين سكن بقربها شيخ العوينة وورد ذكره في كتاب (الدرر الكامنة في اعيان المائة الثامنة ) ثم باب البيض ثم الى السراي ، وهذا الطريق كان يسمى (درب الباشا) لانهم أي أهل الموصل ووجهائها كانوا يستقبلون الوالي وقد قال الفاروقي هذه الابيات لانهم وهم يستقبلون الوالي في تلك المنطقة وهي حي الثورة حاليا هطلت الامطار وفاض وادي العين ووادي العين هي الاراضي التي كانت تقع على جانبي الوادي ولم تزل تعرف بأراضي وادي العين وهي حي الثورة الان وما يقابلها جنوبا الى منتهى اراضي الموصل الجديدة .
وتسمى اراضي حي الثورة كما يقول الاستاذ ال طليان  ايضا (المترب ) اي موضع النفايات التي  كانت تنقلها البلدية بلدية الموصل بواسطة (الطنابر ) ، وهي واسطة نقل معروفة في الموصل والتي تستأجرها البلدية عن طريق متعهد خاص وقد ادركناه في بداية الخمسينات من القرن الماضي واكداس النفايات التي تعيش عليها مجاميع الطيور المختلفة والكلاب السائبة بحيث لا يستطيع احد ان يمر من تلك المنطقة وحده ما عدا اصحاب الطنابر لان تلك الكلاب والحيوانات متآلفة معهم .
وفي سنة 1956 استطاعت جمعية بناء المساكن للمعلمين ان تحصل على هذه الارض لبنائها حيا للمعلمين ، وقد تم رفع تلك الاكداس من النفايات وتخطيطها بأسم (حي المعلمين ) ، ولكن لم يتم العمل فيها بسبب تنظيفها وتخطيطها وبعد تقسيمها وتوزيعها على المعلمين والمدرسين وقعت ثورة 14 تموز 1958 وسقط النظام الملكي وتأسست جمهورية العراق فبوشر في بنائها ، وتغير اسم الحي ليُصيح  ( حي الثورة ) بدلا من ( حي المعلمين ) ،  وهكذا كان حي الثورة اول حي سكني جديد  في الموصل بعد ثورة 14 تموز 1958 . والجدير بالذكر انه في غرب تل هوه ،  توجد بعض المقالع الحجرية وهناك تم انشاء كراج لوقوف ومبيت سيارات مصلحة نقل الركاب التي دخلت الموصل سنة 1957 وبعدها صار الكراج كراج سيارات تلعفر وسنجار وزمار وربيعة كما تم في سنة 1960 توزيع القطع المجاورة للكراجات هذه الى منتسبي مصلحة الآبار وسمي هذا الحي بعد بنائه (حي الآبار ) .
فيما يتعلق بتعداد سكان حي الثورة ، فان جدول التعداد السكاني للفترة منذ سنة 1965 -1997 يُظهر ان عدد الوحدات السكنية في حي الثورة يبلغ (925) وحدة سكانية فيها (7717)  نسمة .
ومن  معالم  حي الثورة  فضلا عن مدارسه  الابتدائية والمتوسطة والاعدادية للبنين والبنات ، عدد من الجوامع ابرزها جامع حي الثورة وهو جامع الصديق  وقد بني بتبرعات الاهالي  وقد يكون من المناسب الاشارة الى ان بناء المنارة الحديدية للجامع  ، جاء بتبرع من  الوطني الاقتصادي الوجيه مصطفى الصابونجي .وفي الجزء الاول من  كتاب (اوراق الاستاذ سعيد الديوه جي ) ، وقد تشرفت بتقديمه  تفاصيل عن مشاركة الاستاذ سعيد الديوه جي ببناء الجامع وجمع ما تيسر من الاغنياء والمحسنين من مواد بناء ومبالغ نقدية وغير ذلك وقد اصر الاستاذ الديوه جي وكان عضوا في لجنة الجامع على ان يبنى في وسط الحي وعلى ارض مرتفعة ، وتولى امر البناء الحاج صلاح النعيمي والاستاذ حازم الحاج داؤد ، وقاما بالعمل بإخلاص وعدد الاسر التي تبرعت  زادت على ال (300) اسرة كما ان التبرعات لبناء الجامع كانت من الساكنين المسلمين والمسيحيين .
وهناك جامع الشهيد سعد الله  الراوي شقيق الشاعر والمناضل الاستاذ عدنان الراوي ولكن يعتبر في حي الصحة القريب من حي الثورة ، وهناك ( مسجد الحمد لله)  الذي بني على نفقة الحاج محمود العزاوي وبأشراف المهندس احمد صالح المشهداني .
وكان هناك في حي الثورة كراج سيارات مصلحة نقل الركاب ، ورقم خط حي الثورة  ضمن خطوط سيارات  مصلحة نقل الركاب كان رقمه (4)  . كما وجدت في حي الثورة  اسواق وخاصة حول جامع الصديق ، كما كان هناك بعض المؤسسات الصناعية التي تستخدم اكثر من خمسة عشر عاملا منها على سبيل المثال (شركة حلويات الشعب ) لصناعة الحلويات و(شركة نسيج الهلال ) لصناعة النسيج  .وهناك مدرسة الصناديد الابتدائية للبنين واخرى  مماثلة للبنات .


**الصور :جامع الصديق- الشيخ عبد الرزاق احمد الهكوري رحمة الله عليه - شارع في حي الثورة - بيت احمد الهكوري رحمة الله عليه


 

إرسال تعليق

0 تعليقات