قبول المدنيين بتشكيل حكومة في السودان يختبر جدية الجيش

مشاهدات


 

الخرطوم- قطعت القوى المدنية الطريق على قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان الذي تسربت معلومات حول قيامه بالشروع في الإعداد لتشكيل حكومة بعد أن تلقى إشارات سلبية أفادت برفض خصومه القبول بهذه الهدية سابقا.

وقال عضو مجلس السيادة السابق والقيادي بقوى الحرية والتغيير محمد الفكي سليمان السبت إن قوى الثورة ستعلن خلال أسبوعين ترتيبات دستورية جديدة ورئيس وزراء مدني “سيمنح صلاحيات واسعة لتشكيل حكومته دون أن يُفرض عليه أي شخص، لوضع الجيش أمام الأمر الواقع”.

وأوضح أن القوى المعنية بهذا التعيين هي: الحرية والتغيير والحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام ولجان المقاومة وكيانات مدنية أخرى “تقاوم الانقلاب”، وأنها تنظر الآن في عدة ترشيحات لاختيار أحدهم رئيسا للوزراء.

وتأتي هذه الخطوة بعد أن نشرت تقارير سودانية الجمعة أن البرهان يقوم بإجراء مشاورات لاختيار رئيس وزراء يكلف بتشكيل حكومة من تكنوقراط مستقلين لإحراج القوى المدنية التي رفضت مطلبه في الرابع من يوليو الماضي قيامها بتشكيل حكومة، وإعلان انسحابه من الحوار السياسي، وتشكيل مجلس أعلى للقوات المسلحة.

ولا توجد حكومة حاليا في السودان منذ الإجراءات (الانقلاب العسكري) التي اتخذها قائد الجيش في أكتوبر الماضي وأقال بموجبها رئيسها عبدالله حمدوك ولم تفلح محاولة إعادته مرة أخرى في تفكيك الأزمة السياسية بين المكونين المدني والعسكري.

وفوت رفض القوى المدنية الاستجابة لطلب تشكيل حكومة الفرصة على سيناريو نسجته المؤسسة العسكرية هدفت من ورائه لكشف التناقضات بين القوى المدنية وحرقها سياسيا في الشارع عبر تحميلها مسؤولية الأزمات التي تعصف بالبلاد.

وأدرك البرهان فشل هذه الحيلة وعليه البحث عن حل للمأزق العام فقرر استدعاء خطة اختيار حكومة تكنوقراط ظلت معلقة منذ استقالة حمدوك نهاية العام الماضي.

ويقول مراقبون إن حديث الفكي يمثل مفاجأة سياسية كبيرة، ويؤكد أن القوى المدنية راجعت موقفها وقبلت تحدي تشكيل الحكومة وقررت اختبار جدية المؤسسة العسكرية وقدرتها على الخروج من الساحة السياسية بلا صدامات نوعية.

ويضيف المراقبون أن الإعلان عن قبول القوى المدنية تشكيل الحكومة يوقف سيناريو البرهان بشأن عزمه القبض على زمام الأمور تماما ويضعه في موقف الدفاع بدلا من الهجوم، ما يجبره على تغيير خططه السياسية للتعامل مع المرحلة المقبلة.

وعاد التفكير في هذه الحكومة لأن هناك موعدا ضربه قائد الجيش عندما طلب تشكيل حكومة من قبل القوى المدنية في غضون شهر أو يقوم هو بتشكيلها لتصريف الأعمال وسد الفراغ، حيث تزايد تدهور الأوضاع الاقتصادية ولم تعد شريحة واسعة من المواطنين قادرة على التعايش مع التراشقات بين القوى المختلفة.

وربطت دوائر سياسية بين اقتراب تشكيل حكومة بعد نهاية المهلة الممنوحة للمدنيين (الرابع من أغسطس) وبين رغبة الجيش التعجيل بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية كأداة تضع حدا للأزمة المتفاقمة وتنهي الاشتباك بين المكونين المدني والعسكري، قد تلقى دعما متدرجا من قوى إقليمية ودولية إذا نجحت في التهدئة السياسية.

لكن دوائر أخرى ترى أن خطوة الانتخابات مجازفة تفضي للمزيد من التصعيد، لأن القوى المدنية غير مستعدة لها، وهناك العديد من الإجراءات يجب اتخاذها قبلها وفقا للوثيقة الدستورية التي وضعت لإدارة المرحلة الانتقالية، أبرزها التوصل لاتفاق سلام شامل يضم بين جنباته الحركات المسلحة وحل القضايا المعلقة بين المركز والهامش.

ناهيك عن تشكيل مفوضية للانتخابات ووضع قوانين تنظمها والاتفاق على آليات محددة تجرى على أساسها العملية على مستوى: المحافظات والبرلمان المركزي ورئاسة الجمهورية، وتحتاج لعصف فكري وتفاهم يوقف نزيفا يصاحب الاحتراب السياسي.

ولأن كل هذه الخطوات تقف في طريقها عراقيل من الصعوبة أن تتحمل المؤسسة العسكرية الضغوط الناجمة عليها، ما يضطرها إلى الاستمرار في الصعود والهبوط، وإدارة المشهد بصورة متذبذبة، خاصة أن التصميم على إجراء انتخابات في أجواء ملتبسة سياسيا ووسط انقسام القوى التي أطاحت بنظام عمر البشير يمكن أن يؤدي إلى عودة فلوله على جواد الانتخابات.

ويعد رفض القوى المدنية تشكيل الحكومة وقذفها في ملعب الجيش سلاحا ذا حدين، فإذا كان الرهان على أن الجنرال البرهان سيفشل في تشكيل حكومة توافق وطني تحل جانبا من الأزمات العاصفة، فهو أيضا ربما يختار تشكيلة تحظى بقبول من الشارع وتتمكن من تخفيف الأعباء عن كاهل جزء معتبر من الفقراء.

ولم تعد فئات عريضة من المواطنين تتحمل المناكفات السياسية والتقسيمات داخل الكيانات المتباينة، فلا يوجد فريق يملك ترجيح الكفة بمفرده والسيطرة على مفاتيح الأمور بلا توافق وطني، ولم تعد المؤسسة العسكرية بعيدة عن أن تنهش جسمها خلافات ما يتردد من تباين بين البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي).

ويبدو أن الرهان على الفشل كان قاسما مشتركا بين غالبية القوى السودانية، وهو رهان ينفي وجود مساحة جيدة للتفاهم في المستقبل، ويعني أن كل طرف يتعمد وضع المطبات في طريق الآخر، فحكومة تصريف الأعمال التي كان البرهان ينوي تشكيلها يمكن أن تواجه مجموعة من الأزمات تزيد الموقف اشتعالا.

وزادت القوى المدنية من حضورها في الشارع كوصفة سياسية مضمونة النجاح، فكل المرات التي حصلت فيها هذه القوى على مكاسب من الجيش تزامنت مع كثافة المظاهرات وأصبح امتلاء الشوارع بالمحتجين دليلا على قرب حدوث تنازل.

وبدأ سقف المفعول السياسي المنتظر لهذا السلاح ينخفض، لأن الناس فقدت جزءا من حماسها واستنزفت قواها المادية وهي لا ترى تحسنا في أحوالها، بل تدهورا كبيرا، لأن الانسداد الذي تمر به البلاد أوقف مشروعات تغيير الأوضاع الاقتصادية للأفضل ومنع الكثير من القوى الراغبة في المساعدة على الاستثمار في السودان.

وعكس ما تعتقد القوى المدنية قد ينجح البرهان في تشكيل حكومة متوازنة لتصريف الأعمال، لأنه يريد أن يحبط التوقعات السلبية التي جعلته دائما في شكل الجنرال “القاتل، الدكتاتور، الساعي نحو الاستحواذ على السلطة بأي ثمن، وصاحب النوايا السيئة في الداخل والخارج”.

ويمكن أن تدفع هذه الأشباح الجنرال البرهان لتبني سياسات إيجابية تخفف من وطأة الصورة الشائعة عنه الآن، والتي عملت قوى مدنية على ترسيخها ويقلب الطاولة ولو مؤقتا عبر تشكيل حكومة تحظى بقدر من الإجماع الوطني، ويقذف بالكرة في ملعب القوى المدنية بطريقة أكثر حنكة، ما جعل الأخيرة تعيد مراجعة موقفها وتعلن على لسان محمد الفكي عزمها تشكيل حكومتها وبدء فصل سياسي جديد في السودان.

إرسال تعليق

0 تعليقات