( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ ) …

مشاهدات


 
نزار العوصجي

يوماً بعد يوم يزداد الفقراء في وطني فقراً ، و لحظة بعد لحظة يزداد حيتان الفساد في وطني غنى ، تلك هي العدالة المزيفة التي تكالبوا على تحقيقها ، ذلك هو العدل من وجهة نظرهم ، لا يملك إحد حق انتقاد سلوكهم المنافي لقيم الرجولة و الأخلاق ، كونهم مصونون غير مسؤلون (( إن لم نقول انهم مؤلهون )) ، هم في ظل وحمى القانون (( يابه شحلات اسمك )) ، قانون الخاص بهم لا ينطبق على غيرهم ، قانون الكيل بمكيالين إن لم يكن أكثر ، قانون فصلوه حسب المقاس بما يناسب رغباتهم ، ليحمي رموز الفساد فقط ، الى ان بات القانون الة موسيقية ، يحكمون به في النهار ، و يعزفون عليه معزوفة زمن الحرية ، في جلسات السمر الليلية ..

تلك هي حرية الاحتلال البغيض التي إنعم بها على شعب العراق ، حرية السرقة و السلب و التدمير المادي و الأخلاقي ، حرية صممت لتطلق يد العملاء و الدخلاء في بلد منزوع السيادة ، بعد ان غابت و غيبت عنه الكرامة ، بلد مسلوب الأرادة لا حول له ولا قوة ، يتحكم به من هب و دب ، بلد يرزخ تحت سلطة و سطوة ثلة من المأجورين الفشلة ، الذين اثبتوا فشلهم بجدارة على مدى 19 عاماً ، كيف لا و هم زمرة تتلمذت على يد إعتى اللصوص ، درست في أشهر مدارس السرقة في العالم و تخرجت منها بأمتياز ، فرسمت بثقة طريق القضاء على القيم ، ظناً منهم انها النهاية ، و انهم تمكنوا من كسر عين العراق ..

هي ليست عقدين عفى عليها الزمن كما يصورها البعض ، انها عقدين من الضياع التام ، شهد فيها العراقيين مايفوق التصور و الخيال ، من شخوص ينتمون الى عصابات و ميليشيات يسمونهم كتل و احزاب ، لا يمتون للسياسة بصلة ولو من بعيد ، مهمتهم نهب الخيرات و تدمير الحاضر والمستقبل ، عقدين لم يسلم فيها من اذاهم شيئ يذكر ، بعد ان نجحوا في اعادة العراق الى عصر ماقبل الصناعة ، بعد ان اعادوا القيم و الاخلاق الى زمن الجاهلية التي هم ينتمون اليها ، بل تجاوزوها و تفوقوا عليها بالفواحش و التدنيس و النجاسة ، فملؤا الارض ظلماً و جوراً و فسقاً و فجور ، ليعم الفساد مفاصل الحياة ، و هذا ليس تجنياً على إحد ، فتلك هي الحقيقة ، ألا تبت إيديهم بما فعلوا ..

كتل و إحزاب استحوذت على مقاليد السلطة بفضل الاحتلال البغيض ، و ليس بفضل منهجها او قاعدتها الجماهيرية ، كونها لا تملك رؤية لقيادة دولة ، او حتى مشروع سياسي ، ولا قاعدة تستند اليها ، فقادتها لا يصلحون لأدارة روضة للأطفال و ليس مدرسة ، كونهم جهلة بكل ما تحمل الكلمة من معنى ، فهم بالمطلق ليسوا رجال دولة ، هم ثلة من الحفاة العراة المشردين ، جمعهم المحتل الأمريكي الصهيوني من أرصفة الشوارع ، ثم جاء بهم لينفذوا مشروعه الطائفي الخبيث في تدمير العراق بكافة مفاصله ، ذلك ما تحدث به احدهم حين قال : (( لم يأتوا بنا الى السلطة لكي نبني ، فنحن مقاولين تفليش )) ..

فعلاً لم يأتي بهم الاحتلال لكي يبنوا ، فلقد جاء بهم بعد ان تعهدوا بتدمير العراق عبر مشروع طائفي بأمتياز ، يسهل لهم نهب ثرواته و طمس حضارته و تمزيق وحدته ، و نشر التخلف بين ابناءه ، ذلك لانهم لا ينتمون للعراق ، و ان ولأهم لأعدائه من الفرس المجوس ، فلقد قاتلوا الى جانب اسيادهم ضد ابناء الوطن الشرفاء ، الذين دافعوا عن الارض و العرض في معارك القادسية الثانية ، لذا فهم خونة قبل ان يكونوا لصوص ، قد نصادف لصوصاً أشرف بكثير من أولئك الذين يرفعون شعارات ، في حقيقتها منزوعة الدسم ، إن لم تكن كاذبة كالطغمة الحاكمة بالعراق ، و خاصة الاحزاب التي تدعي الاسلام !!

عاماً بعد عام و مع تزايد عدد الكتل والاحزاب ، يتزايد اعداد اللصوص ، الذين يتسابقون بالذهاب الى مكة المكرمة ، لأداء فريضة الحج (( من شدة التقوى ، كونهم مؤمنون )) ، ظناً منهم ان اداء مناسك الحج الى البيت الحرام ، كفيلة بمحوا ذنوبهم التي اقترفوها في العام المنصرم ، إن الله غفور رحيم ، بذلك يكونوا قد فتحوا صفحة جديدة لمشاريع السرقة المستقبلية ، التي سيمحيها الطواف حول الكعبة و رجم الشيطان الذي اغواهم في العام القادم ، من ناحية اخرى فانهم يضحكون على عقول البسطاء ، في عدم فضح المستور و المخبئ من فساد و جرائم ترتكب بحق الشعب ، بهذا يكونوا قد منحوا أنفسهم فرصة جديدة للظهور بمظهر الأتقياء ، الذين ينبذون الفساد (( بأسم الدين ، باگونا الحرامية )) ..
    
ان القلب يدمي لما يجري اليوم للنخب الوطنية  العلمية و الثقافية من مآسي حياتية صعبة ، تنفطر لها القلوب .. هم لم يقتلوا إحد و لم يسلبوا مالاً ، ولو فعلوا ذلك لما وصل بهم الحال الى ما وصلوا اليه ، مات البعض ولا يملك راتباً يحميه ، و آخر رحل دون ان يتمكن من الحصول على دواء الحياة لفقر الحال ، و اليوم نجد الكثير منهم في البيوت و المستشفيات ، مصابون بجلطات الامراض ينتظرون الموت ، و كأنهم ليسوا عراقيين اصلاً ، ليس لهم دولة تحترم خدمتهم التي إمتدت لعقود ، و ترعى أنسايتهم بعقلية متحضرة .. عن إي دولة نتحدث وقد ذهب عنها الحياء و العلم ، و إستوطن فيها التخلف و إستفحل فيها الفساد ، و أنتشر فيها شذاذ السياسة ؟؟

عن العراق نتحدث ..

إرسال تعليق

0 تعليقات