مقتدى الصدر ..والمشهد العراقي ..وساعة الصفر..

مشاهدات

 





ثائرة اكرم العكيدي
كاتبة وصحفية..


يقول ابن خلدون ان العرب لا يحصل لهم الحكم والملك إلا بصبغة دينية من نبوة أو ولاية أو أثر عظيم من الدين.. والسبب أنهم أصعب الأمم انقياداً بسبب الغلظة والأنفة وبعد الهمة والمنافسة في الرياسة وقلما تجتمع أهواؤهم. فإذا كان الحكم بالدين أو الولاية ذهب عنهم خلق الكبر والمنافسة فسهل انقيادهم واجتماعهم. فإذا كان فيهم النبي أو الولي الذي يدعوهم للقيام بأمر الله ويذهب عنهم مذمومات الأخلاق ويؤلف كلمتهم لإظهار الحق يتم اجتماعهم ويحصل لهم الغلبة والملك.
دائما اعبرت عن رأيي في مقالاتي واقول بأن العراقيين  لا يجمع شتاتهم غير طاغية ظالم، أو ملك حازم.. لم أغلق الباب أمام الديمقراطية واعترفت بالنص وقبل أن يتهمني أحد بمعاداة الديمقراطية أنها أرقى أشكال الحكم في عصرنا الحاضر ولكنني نبهت الى أنها قبل أن تكون شكلا من أشكال الحكم تربية، وثقافة، وقناعة، ورضا بحكم الأغلبية.. وهي مفاهيم غائبة حتى على مستوى العائلة.
لطالما كنت انتقد واحارب تصرفات السيد مقتدى سلوكه و وأفكاره وتناقضاته من خلال كتاباتي ولم يكن لدي اي درة شك أن مقتدى الصدر متقلب الأطوار ليس ذو مزاج سياسي ثابت ذلك الرجل المتناقض والغريب والمُحير وهذا الأمر بات معتاداً لدى جزء مهم من الرأي العام العراقي.واسال نفسي ماهو سبب كل تلك التقلبات والتناقضات أهو عدم استقرار نفسي؟ أم تذبذب فكري؟ أم حنكة سياسية؟ أم مسايرة لإملاءات خارجية تفوق تحمله؟ أم رغبة بإخضاع الحراك الاحتجاجي لشروطه؟ أم عرفان ديني غير متاح لعامة الناس؟وبالتالي اكتشفت أن محدودية السطور الحالية تجعلنا نسعى ونركز على ثيمة سيكوسياسية واحدة دون إنكار أو تجاهل بقية التفسيرات الموازية والمكملة لبعضها. هذه الثيمة لا تقتنع بـجوهرانية أو تأصيلية التقلّب المزاجي في سلوك السيد مقتدى، بل تهتم بالسياق السياسي الوعر الذي وجد نفسه فيه، مايجعل هذه التقلبات أمراً مفهوماً بوصفها ردود أفعال حادة لمواقف مستجدة صادمة وغير مسبوقة بالنسبة له.
لَعل المشهد الذي يقدمه بعضهم، لا يكون كافيا لأن يُحكم عليه مِن قبل الشارع العراقي فالمشهد سيبقى ناقصا أمام من رآه بعينه، إن لم يكن قد وعاه بفكره وعن قرب لأن النفس تجتهد بأن لا تظهر لهم إلا ما تريد، وليس من السهل أن تخلع كل المعاطف التي صنعت من نسيج تجاربها، وظروفها، فيبدؤون بالتحليل عن شخصيته والخوض في الحديث عن مدى كفاءته وادارته للاصلاح .
لطالما كان السيد مقتدى الصدر شخصاً غامضاً. خلال 19 عشرة عاما الماضية فقد حظي الإمام الشيعي، والذي يترأس أقوى تيار اجتماعي سياسي في العراق بجاذبيتة وشعبيتة  المُثبتة من دون الرجوع إلى خلفية عائلته الدينية البارزة إذ كان والده محمد صادق وعم والده السيد محمد باقر الصدر، شخصيتين دينيتين مرموقَّتين، قاما برعاية شبكات رعاية اجتماعية قوية بين فقراء الشيعة في زمانهم رحمهم الله.
 فقيم التضحية والاستشهاد والخدمة الاجتماعية كانت جزءا لا يتجزأ من الإرث الذي حمله مقتدى الصدر وهو في الثلاثين من عمره  وتضخم اسمه بعد ذلك وهو يراهن بنهج والده، على أبناء العشائر العراقية في مناصرة مشروعه ضد الاحتلال الأمريكي.
وقد فرض الصدر نفسه اليوم كعامل موازن ضدّ النفوذ الإيراني في العراق وبَطَل إصلاح، إلا أنّ تياره يتحمل مسؤولية أغلبية المشاكل التي يتخبط فيها العراق. إذ أدى جيش المهدي دوراً مركزياً في تغذية الصراع الطائفي الذي دمّر العراق، وحارب الائتلاف الأمريكي والقوات العراقية، وشارك  اتباعه في أنشطة إجرامية.
لجميع هذه الأسباب، فقد طُرح الصدريون جانباً في البداية، كتيار منحرف ليس له سوى علاقة قليلة بمستقبل الأمة. وقد اعتبر التحالف وشركاؤه العراقيون سلوكيات مقتدى غير متناسقة، وقراراته عشوائية، وخطابه راديكالي، وحركته فوضوية.
ومع أنه في نظر الكثيرين مخرب، فإن مركزه السياسي وشرعيته في عيون شعب قلق، محروم قد جعلتا من مقتدى مفتاحاً لاستقرار العراق، ويجب أن يعامل على هذا الأساس. ولكن يتوجب على مقتدى أن  يفعل أكثر لكي يمارس هو قيادة مسؤولة ومقاومته للاحتلال، وعداؤه لقادة شيعة آخرين المرجعية الدينية في النجف والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق ومعارضته للفدرالية كل ذلك كسب له احتراماً في صفوف بعض السنة العرب. إن رفضه لإقليم مستقل غالبيته شيعية في الجنوب، وتمنعه عن التنازل للأكراد بشأن مصير كركوك، بالإضافة إلى قوته العسكرية  المسلحة المتمثله بجيش المهدي وسرايا السلام  كل ذلك قد وضعه في صدارة قضايا ذات أهمية دقيقة لمستقبل العملية السياسية التفاوض حول الدستور، الاتفاق حول وضع كردستان، تفكيك ونزع سلاح المليشيات المسلحة، وتوقيت انسحاب قوات التحالف. يضاف إلى ذلك، أن مقتدى قد بدأ بتكوين سمعة إقليمية، بعد أن أظهر براعة دبلوماسية مثيرة للعجب، بعد جولاته غي الكثير من الدول .
إلى أي مدى يمكن أن يكون الصدر أفضل أمل للعراق للتصدي لسطوة إيران ولتقليص المساحة المتاحة للفصائل والمجموعات الحليفة لإيران، هو أمرٌ يعتمد على استمرار آية الله علي السيستاتي في مقاومة دعوته لتأدية دور أكبر في السياسة والحكم في العراق. ولطالما سعى الصدر إلى التنافس مع السيستاني للوصول إلى السلطة والنفوذ، تماماً كما فعل والده في تسعينيات القرن العشرين. ففي خلال تلك الفترة، هاجم الوالد الصدر السيستاني وسلطة ما أسماه بالمرجعية وامتيازها، وهي انفصال شكّل علاقات التيار الصدري مع المعارضة الشيعية المنفية التي تسيطر حالياً على الحكومة العراقية.
ميّزتان تميزان مقتضى الصدر عن خصومه إرث والده، السيد محمد محمد صادق الصدر، والقدرة التعبوية للتيار الصدري. قد يتمكّن الصدر، بفضل هاتين الميزتين، من التصدي للزحف الإيراني على العراق ومن تشجيع الفئات السياسية العراقية على المضي نحو الإصلاح.
في الواقع، يتعيّن على الصدر أن يجمع الدعم الضروري من إصلاحيي العراق، بما في ذلك المجتمع المدني الذي أدى دوراً مهماً في إخراج الناس إلى الشارع.
 الصدر اليوم يبحث عن شريك يتقبل المغامرة بأشياء كثيرة للوقوف بوجه سلطان متسرع محب للكرسي ومستعد لإحراق الجبل والصحراء وبغداد. الصدر يغامر ويتعرض لاتهامات شيعية خطيرة بأنه شق الصف الشيعي وانحاز لبارزاني والمسؤلين الاكراد وهو يريد طرفا من الجانب الآخر يقبل شراكة مسؤولة في هذه المغامرة. ينتظر من سيصلي خلفه كي يطفئ نار الاتهامات التي ينسجها حوله المالكي ولكي تكتمل أركان الشراكة من الكيلاني حتى النجف. وبدون قبول لمغامرة بهذه المقاييس، سيمكن لحاكم مجنون أن يعبث بكل المصالح ويسلمنا إلى جيش المختار وجبهة النصرة إنني وآخرون نقرأ بيان زعيم التيار ونسأل من سيصلي خلف الصدر؟
وهو بذلك  يحاول الآن أن يرسل برسائل يريد فيها تغيير الصورة الطائفية التي أخذت عنه. ويريد أن يقول إن تكتله ليس طائفيا بل هو شعبي وطني قادر على التعامل مع الأطراف الأخرى والتحالف معها وتغيير المعادلة السياسية الحالية الطائفية القائمة في البلاد.
مواقفه الاخير والتي اشار إلى أننا أمام مرحلة جديدة إذا ما تم استثمارها فمن الممكن أن تنتج تحالفا وطنيا عراقيا يجمع الشيعي والسني والكردي والعلماني والراديكالي في خندق واحد.
الصدر مستعد أن يخسر تأييد جزء من الشيعة مقابل صفقة سلام وطنية تؤدي لصلح كبير بين الطوائف وتبرد صفيح الوطن. والمالكي مستعد لاستفزاز كل الطوائف ليبقى زعيما لطائفة خائفة وقد يشعل حربا لأجل ذلك.
أما ركيزة الصدر الأخرى فهي تعريفه الخاص لمصالح الطائفة الشيعية في العالم، وهو شيعي صلب العقيدة والمنشأ مقتدى الصدر قال ذات مرة انه  لامصلحة للشيعة إلا بحفظ علاقة متينة مع مليار مسلم سني، نصلي معهم لقبلة واحدة. أريد سلاما أبديا مع المسلمين، وخطاب الكراهية ارفضه، وسأتمسك بموقفي حتى لو شكك السنة بي، وحتى لو فقدت تأييد بعض الشيعة، فإزاء من يشكك هناك عقول وطنية ستستوعب ما أقول الآن أو لاحقا.
وعلى الرغم من بعض الخلافات في شأن السياسات، فإن الصراع بين الأحزاب والشخصيات الشيعيّة هو قبل كل شيء صراع على السلطة، وقد تصاعد حين سعى المالكي باطّراد إلى تأكيد نفسه بوصفه زعيماً قوياً. هذا المجرم المتغطرس الذي ارجع العراق اكثر من 100 سنة للوراء اثناء رئاسته لدورتين متتاليتين  يحاول اليوم فرض نفسه ووجهات نظره. حتى المسؤولون الأميركيون الذين شَكوا لسنوات من عدم قدرة المالكي على القيادة، بدأوا يخشون من أن يصبح في غاية السلطويّة.
المالكي يذهب لنفس الطريق  وهو يتّبع الإستراتيجية نفسها فهو تجاهل مجدداً الأحزاب الشيعيّة الرئيسة الأخرى، وهي في معظمها دينيّة، وسعى إلى بناء ائتلاف دولة القانون ليكون تحالفاً يلبي رغبات ايران وحلفائه. لكن لايبدو أن هذا النهج يحقق نجاحاً. فقد فشل المالكي أولاً في اجتذاب أحزاب وشخصيات سنّية أوكردية رئيسة إلى ائتلافه. ومن اللافت للنظر هنا أن أعضاء رئيسيين من غير الشيعة في حكومته لم ينضمّوا إلى ائتلاف ثانياً،
الصدر يعلن هنا أن خلافه مع المالكي ومع قيادات شيعية بارزة داخل العراق وخارجه، هو في تعريف مصلحة الشيعة. الصدر يؤمن بأن إزالة أسباب الكراهية وضمان حقوق الجميع هو أسلوب وحيد لضمان حق الشيعة. أما الأمن القومي الشيعي بنظر المالكي فيقوم على تحريك الدبابات نحو المحافظات السنية واعتقال المزيد من سنة العراق والتفكير بمعاني الرؤوس النووية الإيرانية.
مقتدى الصدر هذه المرة تجاوز الخطوط الحمراء للنظام الايراني قد تصبح حياته في خطر اليوم وبعد كل تلك المناورات من انتهاء الانتخابات وتشكيل الحكومه والتخبطات التي طرأت اخيرا حيث امر نواب الكتلة الصدرية بتقديم استقالاتهم الى رئيس مجلس النواب
ويعلن انسحابه من العملية السياسية، ويصرح بأن تحالف انقاذ وطن في حل مني، ويؤكد الوطن والشعب اولا.
هل سينتظر كل العالم  ساعه الصفر في العراق بلاد الرافدين مسرح العمليات.
موقف الصدر اذا كان صادقا اعتبره مغامرة جديدة لأنه قرر مواجهة إيران وهذا موقف لا يمكن اعتباره تكتيكا بل إستراتيجية.هذه المرة، يقف مقتدى الصدر عقبة في وجه محاولات طهران المتمثله بالمالكي وغيره اخرون والتي تسعى على إبقاء ميليشياتها في العراق، وهو ما يعني أن حياة الصدر مهددة. لان ليس لايران مانع من التخلص منه لو سنحت لها الفرصه .ومن نافل القول إن شيعية الصدر لا تحميه من العنف الإيراني، إذ أن لطهران تاريخ طويل في استهداف رجال دين شيعة ممن هددوا النفوذ الايراني.
هل باستطاعة السيد مقتدى  ومعه عراقيون من كل الأطياف والألوان ان يكبد  طهران وأزلامها في العراق خسائر برلمانية وحكومية وسياسية تصل حد حلّ الميلشيات، وهو ما قد يؤدي إلى حرب ميليشياوية ضد دولة العراق، وهو ما سيمتحن العراقيين وقدرتهم على اجتثاث سرطان الميليشيات، الذي أدى الى موت لبنان، قبل أن يستفحل هذا السرطان ويقضي على العراق كذلك.

إرسال تعليق

0 تعليقات