حواري مع حضرة السيد مثقف

مشاهدات

 





د.محمد فتحي عبد العال
كاتب وباحث وروائي مصري


لا أعلم سببا وجيها يجعل كل من يشتد عوده في الثقافة ويغدو في ركابها قلما واعدا ويتبوأ من مناصبها أعلاها يتصور نفسه في عليين ومن هذه المكانة العليا ينظر لبعض الأمور الدينية شزرا  متعاليا عليها وعلى من يصدقها.
الحقيقة أني لا استثني من هذا التعالي أحدا في عصرنا الحالي وقد صادفت الكثيرين قد مروا به ومنهم كاتب هذه السطور ولا زلت أتذكر حادثة تركت أثرا عميقا في نفسي لا يمحى أتذكر تفاصيله كأنه بالأمس القريب حينما كنت أدرس الحدود في معهد للدراسات الإسلامية وكلما أمر على حدود السرقة والحرابة وانطوائها على تقطيع أجزاء من الجسد  كنت لا استسيغها عقلا لما فيها من قسوة شديدة لكني كنت أكتم ذلك في نفسي ولا أناقشه علنا  خشية التصادم مع المحاضر وهو شيخ جليل أو مع الزملاء المتدينين .
ومرت الشهور وحانت اللحظة الحاسمة ألا وهي الامتحان وأولها مادة الحدود وفي الامتحان يكرم المرء أو يهان وذلك بالطبع تبعا لاستذكاره دروسه وإلمامه بها وعلى الرغم من تحصيلي القوي لهذه المادة وتنحيتي مسألة الاقتناع من عدمه جانبا  إلا أني أهنت من طريق آخر لم يخطر لي على بال وما كنت أنكره بالأمس صرت مقتنعا به وأول مطالبيه.
دائما ما أذهب إلى الامتحان مبكرا وهي عادة لدي منذ الصغر فمحافظتي على مواعيدي وحضوري مبكرا فيها جزء لا يتجزأ من شخصيتي ولأن الامتحان هذه المرة في مدينة أخرى بعيدة عن مدينتي التي أقطن بها فقد حضرت مبكرا جدا واخترت القطار لأسافر به .
ما أن ركبت القطار حتى سمعت صوت سيدة :حاسب يا استاذ خلي بالك من محفظتك!!. وفي هذه اللحظة تحسست المحفظة فلم أجدها ..حاولت استعطاف من بالمحطة لمساعدتي وظللت أرقب عشرات من النشالين المقبوض عليهم ومئات الأغراض يهوى بها على الأرض وعيناي متلهفة لعلي أظفر بمحفظتي المسروقة من بينها ولكن دون جدوى..طبعا مسألة ثقيلة على النفس امتحان بمدينة أخرى وسرقة المحفظة يعني فقد الهوية الشخصية والمال وبعد مسار طويل من عمل محضر بالقسم ثم عودتي مرة أخرى للبيت لاحضار المال وجواز السفر نجحت في السفر مسرعا وأديت الامتحان وأنا متأملا فيما مر بي من أحدث عصيبة في هذا اليوم ودعوت على السارق اللعين .
لقد كان درسا واقعيا وعمليا جعلني أراجع نفسي وأكن على يقين من أن جزاء الله وعقابه لبعض الفئات المفسدة في المجتمع حق وعدل.
  من الأمور التي كان يتمرد عليها عقلي أيضا الحديث النبوي الخاص بالذبابة ووقعها في الإناء وضرورة غمسها ثم إلقائها دون ضرر في ذلك ففي أحد أجنحتها الداء وفي الآخر الشفاء  وكان عقلي يتسائل كيف يجتمع الشفاء مع الضرر وكيف يقترن الداء والدواء في حشرة مضرة ألا ساء قرينا ؟!
بحثت كثيرا وكنت لازلت طالبا بكلية الصيدلة فوجدت عشرات الاستدلالات العلمية وآخرها نظرية تواجد البكتريوفاج أو أكلات البكتريا.لكنها جميعا لم تفلح في إقناعي بأمر تعافه النفس كهذا .
لكن تمر السنون ومع رحلة التعلم بالصيدلة اكتشفت أن أدوية كثيرة أتت من أشياء بسيطة تعافها النفس فمثلا حقن مينوتروفين الشهيرة والتي تستخدم في علاج العقم عند الرجال والنساء عبر توجيه الغدد التناسلية للإباضة مستخلصة من بول النساء بعد سن اليأس!! ومع مزيد من البحث أصبح جليا أمامي أن الحشرات ومنها الذباب مصدر للمضادات الحيوية ومضادات الميكروبات  الببتيدية والتي يعكف العلماء على تطويرها لمواجهة التحديات الخاصة بظاهرة مقاومة المضادات الحيوية ..
لقد تعلمت من هذه الدروس وغيرها أن الدين هو الأساس فهو كلام رب العالمين وما بلغه الرسل والأنبياء عنه و الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وما دون ذلك كلها أمور نسبية خاضعة للمراجعة.
ما أحيا بداخلي هذه الذكريات دخولي في جملة من التعليقات على الفيس بوك مع أحد الأصدقاء من المثقفين  والذي يرأس تحرير مجلة شهيرة حول حديث الذباب حيث تهكم الصديق على الحديث على صفحته وأن النفس تعاف الذباب ولو سقط على تيس مندي لذيذ لألقاه .
ليت شعري لقد أعادني تعليقه الساخر إلى ذكريات عشرات الكؤوس من النسكافيه اللذيذة التي سكبتها وأنا أخشى ذبابة مسكينة قد سقطت بها جاهلا أنها حملت الشر والخير في آن واحد .حاولت إقناع الصديق أننا لسنا بأقل من الجمل  الذي يأكل من نبات  (شوكة الجمل) المقوية للمناعة وصديقة الكبد دون أن يخشى أذى شوكها وأرفقت عشرات الدراسات التي تتحدث عن استخلاص المضادات الحيوية من الذباب ولكن جهودي ذهبت أدراج الرياح وانطلقت تعليقات أصدقائه تؤيده فلو أيدوا رأيي فسوف يسحب كبيرهم منهم  لقب المثقف !!
ما أعظم الهدي النبوي الشريف في حياتنا وأظن أنه آن الآوان أن يكون للأزهر وغيره من المؤسسات الدينية هيئة خاصة بالإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية تتابع كل ما هو جديد في الشأن العلمي والذي يعضد هذا الإعجاز وتزخر به الدوريات العلمية العالمية المحايدة إضافة لمراجعة ما هو موجود حاليا من آراء وكتابات ويتناقله الناس وبعضه قديم للغاية قد أكل عليه الدهر وشرب ولم يعد ملائما لهذا العصر ومستجداته علاوة على ضرورة تقوية الأحاديث النبوية  من باب صحة المتن وإن ضعف السند ورفعها إلى مصاف الصحيحة والتي تتحدث عن الإعجاز النبوي في بعض النباتات والأعشاب الطبية والتي أثبتت الدراسات الحديثة فائدتها علاوة على ذلك لابد وأن يكون هناك قسما بالكليات والمعاهد الدينية للإعجاز العلمي بالقرآن والسنة يقوم بالتدريس للطلبة وفي مسار الدراسات العليا أيضا.



إرسال تعليق

0 تعليقات