لا تقتلوا أنفسكم بسيوف أعدائكم …

مشاهدات

 




نزار العوصجي

ليس بالضرورة ان يكون العدو شخصاً نحذر منه ، فنترقب تحركاته خشية ان يصيبنا باذى حين غفلة ، ذلك لأن العدو في بعض الأحيان يكون مستقراً في داخلنا ، يعشعش في عقولنا ، يعيش معنا لحظة بلحظة ، مستغلاً ضعفنا وقلة حيلتنا ، لهذا نجد انفسنا ضعفاء مهزوزين ، تحركنا الكلمات التي نسمعها من هنا أو هناك ، فنصدقها دون تفكير أو تدقيق ، معتمدين على ما ينسب من اقاويل لأشخاص لانعلم مدى صحتها ، ذلك حين نكون بمعزل عن الثقافة ..
 
الثقافة تعني الأطلاع والفهم والأستيعاب بمعناها الواسع ، فتشمل كل تجليات التعبير المشترك ، كالحِكَم والأمثال الشعبية وباقي الموروثات ..
(أُكلت يوم أكل الثور الأبيض) يضرب هذا المثل العربي ، لمن يستشعر مصيره السيئ مما رأى في مصائر غيره ممن يشبهون حالته ، لذلك فإن الواجب أن يحتاط المرء لنفسه ويتعظ بما حدث لرفيقه أو مثيله ، فيأخذ حذره ولا ينتظر حتى يقع في المصير ذاته ، بدعوى أن تلك حالة وهو حالة أخرى ، لاتعدو كونها محض خيال ..

عند وضع النفس البشريّة موضع التحدي نجد انها تواجه صراعات داخلية متنوعة ، يغوص في أعماقها صراع العقل والعاطفة الذي يصعب إخماده . قد يتمثل هذا الصراع في التعارض بين مبدأين أو اعتقادين ، بين الحق والباطل ،  الخير والشر ، الصواب والخطأ ، وبين أي شيئ ونقيضه ، مواجهة في مختلف المجالات بما فيها الفكرية والعاطفية ، تلك التي تشكل حلقة مهمة لايمكن مغادرتها أو التخلي عنها ..

يرتبط هذا الصراع فعلياً بعملية صنع قرارات قد تحدد مسار حياتنا ، فإما أن ينتج عنها قرار مبني على العقل والمنطق ، وهنا يلجأ صانعه الى طريقة تفكير عقلانية ، مستخدماً دلالات ومعطيات وحججاً منطقية ، يستخلص منها النتائج ، ومن ثم يتخذ المسار الملائم في ضوء الحقائق المتاحة أمامه ، أو ان يتخذ قرار مبنيا على العواطف ، أي على مشاعر وجدانية تستند على الحدس الذهني المستند الى أحاسيسه الشخصية ..

إنّ إحكام السيطرة على المشاعر والقدرة على التحكم بردة الفعل عند مواجهة الظروف المختلفة ، تمكن الفرد من الوصول إلى الاستقلالية في اتخاذ القرار ، مهما بلغت محاولات الأشخاص المحيطين أو المقربين في التأثير عليه ، يبقى هو المسيطر والقادر على التحكم بذاته ، مما سيمنحه الفرصة للكشف عن قدراته الذاتية في إحداث التغيير في وسطه ، وبعكسه فإن الأذعان لتلك المحاولات دون قناعة يعد نفاقاً ، بمعنى انه قد نافق نفسه بعد إن غيب عقله ..

للنفاق أسباباً كثيرة ومتعددة تدفع صاحبها نحو إظهاره ، بالأضافة الى كونه خصلة تلازم البعض ، أو لأسباب اخرى منها أن يكون محباً للذات ، أو واقعاً تحت مغريات الزمن ، والتعلق أو التمسك بمظاهرها ، أو حين يكون الدافع هو حب المناصب والرئاسة ، والخوف على نفسه من انتزاع جاهه وزعامته وسمعته بين الناس ، فيحاول ان يشعر من حوله بتمسكه بالقيم والمبادئ كي لا يزول منصبه . وهذا غالباً ما يحصل حين يكون الدافع هو التعلق بالدنيا وحظوظها ، وما فيها من ملذاّت ومكاسب ، أو أن يكون الدافع هو الفتن واثارة الشبهات ضد الاخرين بعيداً عن الحيادية والصدق ..

في الجانب الأخر فإن النفاق هو التظاهر باتباع الفضيلة والأخلاق الحسنة الحميدة وإضمار السمة والنزعات  الحقيقية للشخصية المنطوية على غير الظاهر منها . ذلك لأن المنافق يخفي أمره ، كمن يختبئ داخل نفق مظلم .. هناك فرق بين الرياء والنفاق ، فالرياء كلمة مشتقة من الرؤية ، وهو أن يعمل الأنسان عملاً ليراه الأخرين ، وأما النفاق فهو فعل المنافق ، في أن يظهر من الإيمان خلاف ما يبطن من الضغينة والعداوة . أما الرياء فهو محاولة إظهار الأفعال الحسنة لكسب مديح الناس ، ولا يقصد المرائي من فعله نيل رضا الله ، وإنما ليكسب رضا الناس ، وليسمع منهم كلمات المديح والثناء ، فيكون بذلك مفهوم الرياء مختلفاً عن مفهوم النفاق ..

بالعودة الى عنوان المقال " لا تقتلوا أنفسكم بسيوف أعدائكم " ، نقول : مشاكلنا فينا لا في قوة أعدائنا ، فلننزع من داخلنا الكبرياء والغرور الذي يلازمنا ، لنحصن انفسنا بالثقافة ونحكم بعقلانية صراع العقل والعاطفة ، لنحذر من المنافقين الذين يكيلون الشتائم والسباب لرفاقهم ، من الذين لايفقهون غير لغة التخوين بحق من يعارض مشاريعهم ، ففي تصديق ما يروجون له من كلمات والفاظ بذيئة ، قتل للنفس دون شعور أو ادراك ، ذلك لانهم في الحقيقة هم الأعداء …
« إياك أعني واسمعي يا جارة »

إرسال تعليق

0 تعليقات