الزعامة السُنية بين جدليًة شرعيتها ودلالات البُعد السياسي؟

مشاهدات

 




بقلم الكاتب والباحث السياسي
الدكتور أنمار نزار الدروبي



وبينما العراق كله مشغول ومنشغل بمشاكل وقضايا كبرى بين الكتل والاحزاب السياسية، ومحاولات رأب الصدع بين القوى السياسية، وقضية تشكيل الحكومة وانتظار الموازنة، وبينما زعماء السُنة منشغلون بحل قضية البيضة من الدجاجة أم الدجاجة من البيضة، وصل طارق بن زياد إلى وادي لكة لينتصر على جيش القوطيين بداية لفتح كافة المدن الإسبانية.
 يعتبر دراسة موضوع القيادة والزعامة السياسية مثالا على الاقترابات التي تعتقد أن فهم النظم السياسية وتحليلها في العراق يمكن أن يتم من خلال دراسة إحدى ظواهر هذه النظم باعتبارها بؤرة التركيز المحورية لكل المشهد السياسي العراقي. ويقوم هذا الاقتراب على دراسة الزعامة السياسية أي مجموعة صغيرة العدد والتي تلعب الدور الرئيسي في صنع واتخاذ القرار في النظام السياسي العراقي. وتقدم دراسة الزعيم السياسي عددا من المتغيرات في تحليل القيادة السياسية، بغض النظر عن كونها تشريعية أم تنفيذية.
الزعامة السُنية في العراق:
لقد حاولت أن أكون موضوعيا وحياديا فيما كتبت، بالرغم من أن الظروف في الوقت الراهن عاصفة تنطلق في أجواء الرياح العاتية والزلازل الرهيبة اتجاه القيادة أو الزعامة السُنية. تلك الزعامة التي اثارت حولها الكثير من الجدل والتهويل منذ عام 2003 وإلى اليوم أيا كانت المسميات. لكل زعيم وقائد كبير في شخصيته سرها الخاص، وسر زعماء سُنة العراق بعد عام 2003، أنهم من صنيعة العملية السياسية فقط، بمعنى لم نسمع عن أي أسم من القوى السياسية السُنية سواء كان من الزعامات أو من قيادات الصف الأول والثاني كانوا معارضة ضد النظام السابق، أو في معتقلات النظام السابق، أو الاشتراك في مؤامرة ضد النظام السابق، بالنتيجة لا يوجد شيء عن السابق وإنما كل شيء في الحاضر.
إذن نحن أمام صورة قاتمة لطبقة مأزومة ومتناقضة ومهددة وهي طبقة زعماء السُنة، فهي طبقة مهددة من داخل قواعدها وخارجها، ويخطئ الزعيم (س أو ص) عندما يعتقد أن الصدى الذي يلقاه خطابه مرجعه قوة الخطاب الذي انتجه، وينسى أن احتماءه بالعملية السياسية هو بحث عن الذات ودفع للخطر وتجديد حلمه، فظاهرة الزعيم السُني ليست دليلا على قوة شعبيته وعمق انغراسه بين أبناء مكونه، بل أنهم استفادوا من أوضاع صنعوها ضمن حسابات دقيقة. وما بين شرعية أي زعيم سُني يتصدر المشهد السياسي لسُنة العراق وبين النقد الجذري لكل عناصر الفشل والجمود والانهيار الذي أصاب المكون السُني منذ ثمانية عشر عاما، طرحتُ السؤال على نفسي: من هو القائد أو الزعيم الذي يمثل سُنة العراق اليوم؟
  فأصابتني الحيرة، ليس لأنها عبارة غريبة بل لأنها من كثرة تكرارها على ألسنة أبناء المكون، أصبح البحث عن أب شرعي لهذا المكون أشبه بالبحث عن قطة سوداء فى غرفة مظلمة. بيد أن بعضهم قال س أو ص أو غيره، لكن الواقع السياسي يثبت أن ما يسمى بالزعيم السُني عبارة يتم تداولها من قبل حريم السياسة السُنية، وكذلك من قبل بعض الفضائيات العراقية، وبعض الإعلاميين والإعلاميات الذين أصبحت وظيفتهم الأساسية تلميع صورة بعض الشخصيات السياسية السُنية وإضفاء الطابع القيادي وربما الألوهية لتلك الشخصيات. وتبقى التفاصيل خاضعة لتطور التجربة وطبيعة التحدي لدى أبناء المكون السُني في مواجهتهم لحركة زعيمهم، فهي أسماء وعناوين كثيرة منذ ثمانية عشر عاما، في مقارنة غير واعية تتعلق بمستقبل الملايين من أبناء المحافظات الغربية، لتختار لنفسك أيها المواطن الزعيم الأكثر تأثيراً والأقرب منفعة، وتلك مهمة الذين يقودون الساحة السياسية السُنية، ويتسترون على متغيراتها، ليحددوا للمكون ما يحتاجه وما لا يحتاجه من هذا الزعيم أو ذاك. في الجانب الآخر قد يعارض أصحاب الزعيم السُني هذا الطرح بذريعة الخط الشرعي للزعيم الذي وجد الفرصة في الانتخابات التشريعية، لكن لا يكفي أن تجد الفرصة وتصبح زعيما في هذا الموقع أو ذاك بمجرد صناديق الانتخابات المطعون في نزاهتها، بل لابد أن تضمن خضوع الفرصة للقبول الشعبي الشرعي. في الوقت نفسه هناك اتجاه داخل المكون يرى أن مثل هذه المعطيات لا يمكن أن تحقق، إذا لم تكن هناك داخل اللعبة السياسية السُنية واجهة بارزة تفرض نفسها على ساحة الواقع من داخل حركة الواقع.
ولا تتوقف القضية عند هذا الحد، فهناك فرقا بين الواقعية السياسية التي تفرض على أبناء المكون السُني المشاركة في حركة الواقع مع الذين يحركونه في الاتجاهات المختلفة، وبين الميوعة السياسية لقسم كبير من أبناء المكون التي تتمثل في خضوعهم للقوى العاملة في الساحة السياسية، واعترافهم بشرعية الزعيم الفاسد باسم الواقعية المناطقية والعشائرية. بالتالي سيجعل أبناء المكون السُني الذين شاركوا في انتخاب الفاسدين هم أيضا من العناصر الفاسدة في الساحة السياسية، وتصبح إرادة أبناء المكون إرادة ضعيفة مسحوقة تحت تأثير الإرادات الأخرى. لهذا فإن مهمة الخيار الواحد لأبناء المكون السُني في القبول بالزعيم الذي فُرض عليهم في إطار واجهة سياسية واجتماعية وعشائرية وقبائلية، توحي إليهم بأن ذلك هومن صنع إرادتهم المستقلة، لترضي فيهم الاستقلالية وحرية الاختيار والعزة والكبرياء الكاذبة.
وتأسيسا لما تقدم، أصبحت عبارة الزعيم السُني واحدة من العبارات المكروهة في أرشيف السياسة بالنسبة لأبناء المكون السُني في العراق. ولا يهم أبدا لأن الموضوع برمته لا يتجاوز سوى القاب وعناوين على مستوى الكبار، ولا يوجد ثمة تحالف سُني معارض، ولا كتلة سياسية سُنية معتدلة، ولا زعيم سُني معارض أو زعيم سُني معتدل، بل هي تحالفات وعناوين، فهو عبارة عن تجمع واحد فقط وإن اختلفت المسميات، سواء كان جبهة التوافق أو جبهة الانقاذ والتنمية وغيرها، فكلهم يسيرون في نفس الاتجاه وهو اتجاه الكرسي وإن اختلفت وسائل النقل، فبعض الكتل السُنية تتحالف مع القوى الأخرى من باب التقية لكي تبقى في المشهد السياسي، والبعض الآخر من القوى السُنية تعترض من باب النفاق السياسي لكي تبقى أيضا.


إرسال تعليق

0 تعليقات