طابخة ام كرار شلغم بالدبس

مشاهدات




علي السوداني


هذا هو تمام المشهد القائم حتى الآن في العراق بلاد ما بين القهرين العظيمين .

شابٌّ غضٌّ وسيمٌ لطيفٌ ، وقد يكون من الصنف الذي يرتدي بنطرون كاوبوي ممزق من صوب الركبتين ، وهابط قليلاً من الخلف كي يجعل الجزء الأعلى من مؤخرته فرجةً ومتعة للناظرين والبصاصين !!

تعثرت به مصادفة على حائط الفيسبوك ، يوم انطلق بسرعة الضوء على وقع أغنيته الاستطعامية المدهشة " صمّون عشرة بألف " ولم تكتمل دورة السنة حتى أتحفنا بواحدة جديدة وناشز أيضاً على أذنيَّ  الكلثوميتين القديمتين ، وكان اسمها اللافت هذه المرة 

" طابخة ام كرار شلغم بالدبس "

أظنه سيتحول سريعاً إلى ظاهرة شعبية مطلوبة ، بنفس طريقة شعبان عبد الرحيم بمصر .

وبعيداً عن الكدمات النفسية القوية التي تركتها الأغنيتان على حالي ، يسعدني أن أعترف لكم بأنني من نوع العاشقين الولهانين المغرمين بالصنفين الذين أتى عليهما المغني والملحن والشاعر . أقصد الصمون الحجري الذي أفضله حتى على خبز التنور الحار المعمول بيدي أمي العظيمة ، كذلك الشلغم الذي تسميه مدن أخرى باللفت ، وهذا أريده وأحبه سواء تم سلقه صرفاً مع رشقات من الملح الناعم ، أو تم تدبيسه بمنتوج معمل معلبات كربلاء البائد وعلامته النخلة ومسماه المشهور دبس أي أي وفق ذاكرتي القائمة حتى الآن !!

كان أخي الأكبر الراحل جواد في سبعينيات سينما بابل الجميلة يرسلني الى فرن صمون بالبتاويين كي أجلب الصمون الساخن المنفوش لمطعمنا الذي يأكل ثلث جبهة السينما ، 

وكنا نقدم فيه الأكلات الباردة التي منها الروست واللسان والكفتة والمخ والبتيتة جاب ، وتالياً السواخن التي أشهرها الهمبركر والجلفراي والمخلمة والكص والباجة التي نصنعها بعد انتصاف ليل شارع السعدون وحاناته وماناته ولياليه البديعة !!

سلمان صاحب مخبز صمون العراق الواقع خلف دار السينما بخمس دقائق ماشيات ، كان يوزع بضاعته الطيبة على المطاعم بواسطة البايسكل أبو السلة ، لكنه أحياناً يغيب أو يتأخر 

أو يتتنبل ، فأقوم أنا بهذه المهمة المنتظرة بشوق كبير ، حيث أجهز على صمونتين ساخنتين في طريق الإياب قبل أن أسلم السلة الى فم صندوق الخشب الذي يخلو من أي رقيب أو عدّاد ، تماماً مثل خلو أنابيب نفط الحكومة اليوم من عدادات الشرف والضمير المفقود !!

أما الشلغم أو اللفت أو الزفت بالدبس فكنت أحصل عليه بطرقة المقايضة السعيدة ، حيث عربانة حجي خصاف مزروعة على يمين السينما ، وسطحها مزدحم برؤوس الشلغم المدبس العاطر ، ومعها استكان لذيذ من ماء القدر الساخن ، مقابل كمشة كرزات من عربانتي الرائعة في الجوار بالقرب من جامخانة صور الفلم المعروض .

 مصيبتي الحقيقية الآن أصدقائي هي أنني اكتشفت أن بائع الشلغم ليس هو السيد خصاف الجايجي وحارس المركز التجاري السوفيتي ، بل هو كائن آخر بشوش سليل بشوشة وقد سقط الليلة اسمه من ذاكرتي ، كأنه انذار مبكر بزهايمر حميم رحيم قد ينسيني بغداد كلها فأُريح وأستريح من دون تغريبة " على شواطي دجلة مر ... يا منيتي وكت الفجر "


إرسال تعليق

0 تعليقات