العيد والسمكة الحمراء

مشاهدات



فائزة محمد علي فدعم


مرت في حياتي ذكريات لم تبارح خيالي حتى الان منها . عندما كنت صغيرة كان بجوار جامع الشابندر بيت ملاصق لبيت حسون البدري والدار مستأجر لإمام وخطيب جامع معسكر سعد الذي كان رجلا بهي الطلعة يلبس جبة تحتها بنطال . وبجوار بيته من الجانب الاخر السيد ناجي نسيمه والد (عوجي وموكي ) هذه القابهم لأني لا اعرف أسمائهم الحقيقية وهم اخوة صديقتي الست خيرية . كانت المحلة كلها معجبة بإمام الجامع واخلاقه ولكن في صباح أحد الايام ودون سابق انذار رحل فجأةً دون ان يعلم به احد . حزن عليه الجميع ولم تُعرف قصته حتى الان . في اليوم التالي كنت العب في باحة الدار بكرة ( الجِبَن ) وكان الوالد يتناول (الشوربة ) فوقعت في الصحن وأغرق برذاذها . في وقتها قطع نهر خريسان لأيام وكنا نذهب صبيان وبنات لنعبُر الى الضفة الاخرى والشارع يضج بالحياة ونعود بنفس الطريقة وعند رجوعنا نبحث عن اشياء في النهر للتسلية وكل واحد بيده عصا طويلة للبحث عن اسماك صغيره او ابو (الزمير ) وسلاحف وضفادع أو مقتنيات يملأها الصدأ . كان النهر دون سياج وكنا نأخذ الطين المُستخرج منهُ ونصنع به اهرامات وبيوت وذلك كله بمُتابعة الوالدة او الخالة . 

كان جيراننا عامر وثامر اولاد السيد كاظم العلوجي ضليعين في بناء هذه الاشكال . مددت يدي لألعب معهم بعد ان سمحت لي الوالدة لكن فجأةً صرخت واذا هي عقرب لدغتني وكانت خفيفة واجري لي اللازم . فقالت امي لوالدي بعد تناول العشاء والشاي الان حان وقت الوفاء بالنذر الذي قطعناه على انفسنا فوافق فورا . كان النذر هو عندما يرزقهم الله بطفل يذهبون الى كل عتبة مُقدسة وفي كل مقام يذبحون خروف وبعد التوكل على الله وقبل يوم من التنفيذ ذهبت صحبة والدتي الى السيد فاضل النعيمي ليرقيني في التكية التابعة له في دربونة ام الدجاج ( زقاق ) كنت منزعجة لان العيد على الابواب وانا يستهويني الاستمتاع بأيامه وخصوصا عند ركوب اللٓو وهي (أرجوحة يحيط بها سياج خشبي من اربع جهات ) ولم اكن احب ركوب دولاب الهوى لان خشبه قديم واحب الحظ يانصيب وشعر البنات وركوب العربة ام الحصان والاصرار على الجلوس بجانب السائق في نزهة حول بعقوبة وجيبي مثقل بالنقود وارتدي الملابس الزاهية وكذلك صديقاتي . 

رضخت اخيرا لفكرة السفر لإيفاء النذر بعد ان اقنعتني امي بالمغريات الكثيرة وخرجنا مبكرين في اليوم التالي الى بغداد وكان اول ايام عيد الفطر المُبارك حتى وصلنا ولا اعرف بالضبط الى اين لأنني تعبت وكنت تارة انام وتارة اخرى استيقظ ثم ذهبنا الى النجف وكربلاء وبعدها الى سامراء وكان والدي في كل مرقد يذبح خروف ويوزعهُ على الفقراء ويضع نقطة من الدم على جبيني حسب عادات بعقوبة في ايفاء النذور . اوصت الوالدة عند ذهابنا الى سامراء ان نذهب الى بيت السيد جودت ابو عبد الستار الذي نقل الى هناك مديرا للبريد على ان نأخذ له فخذا من لحم الخروف . وصلنا في منتصف الليل فذهبنا الى اول فندق صادفنا لان التعب قد اخذ منا مأخذه وبسبب الزحام الشديد لأنها ايام اعياد وعند حجز الغرفة المُخصصة لنا في الطابق الثاني كانت الإضاءة فيها خافتة وقع نظري على الوسادة والشرشف لأنها كانت قذرة جدا وبعد ان اغلق والدي الباب ودخل في نوم عميق والشباك مطلٌ على الشارع العام قمت بوضع الوسادة في الشرشف ورميتها وبقيت مُستيقظة حتى تعبت وغلبني النعاس ولم افق الا ووالدي يضحك ويقول لي اين المخدة والشرشف فلم استطع النطق . دفع اجور المبيت والغرامة لان العامل رآها وهي في الطين امام الفندق وابي يقودني من يدي ويضحك وبعدها ذهبنا الى الامامين ونحرنا الذبائح واخذنا الجزء الذي اوصت به والدتي ثم ذهبنا الى السيد جودت فرحب بنا وقدم لنا بطيخ وكان حلو المذاق جدا فسألت والدي . لماذا طعم هذا البطيخ اكثر حلاوة من بطيخ بعقوبة ؟ فقال مازحا : انهم لايضعون له السماد بل السكر او الدبس وبعدها اكملنا طريقنا الى مقام الحُر . كان في منطقة نائية فيها بعض البيوت المُبعثرة هنا وهناك مُترامية الاطراف كأنها صحراء خالية من الناس تقريبا الا من بعض الزوار واطفال صغار يبيعون التمور في سلال مصنوعة من خوص النخيل المنسوج على شكل ارنب او بقرة بحجم كف اليد . اشتريت واحدة وسمكة مصنوعة من الشمع وكانت رقيقة جدا لونها احمر قال والدي لاتضعيها في الشمس فكان التمر في كف والسمكة في الكف الاخر حتى صعدنا السيارة للعودة وانا فرحة جدا رغم ان الجو حارا والشمس على المقعد الذي اجلس فيه فأخذتني غفوة صغيرة فقد كنت مُتعبة ومُرهقة فوضعت يدي على طرف الشباك والسمكة في كفي فاستيقظت بعد قليل فاذا بالسمكة الحمراء الجميلة قد ذاب نصفها وذابت معها روحي . هذه كانت احدى صفحات حياتي التي تذكرتها بسبب العيد .ارجو الله ان يرزقكم السعادة .

وعيدكم مبارك ان شاء الله وكل عام وانتم بخير

إرسال تعليق

0 تعليقات