قصة الأميرة النبيلة ... سلسبيل عشق لاينفد ( الجزء الأول)

مشاهدات




الأديب عبدالباري المالكي 


الأميرة هي شهرزاد بغداد ... تطرب الجميع بكلماتها وإن صمتت ، وتستحوذ على قلوبهم وإن سكتت ، خير نديمة للود  ، وخير جليسة للسلام .

وجهها يوحي لك بعالم الطفولة وان كبرت ، وتقاسيم وجهها لاتخلو من الرجوع الى ذكريات الصغر ، فهي بحد ذاتها عالم مليء بالبراءة والنقاء ، عالم يكاد يخلو الا من امثالها .

وحين تنظر الى هذه الفتاة الصغيرة بقالبها ، الكبيرة بروحها ، تجد ما كنت تسعى اليه في شبابك ، وترى فيها ماكنت تحلم به منذ صغرك .

لايمكن وصفها الا بالأنثى فمعالمها جميعا توحي بتلك الأنوثة التي تجعل من الرجل أسيراً لنظراتها ، أسيراً لقلبها ، رغم ماتملكه من البراءة التي تغطيها من أمّ رأسها الى أخمص قدميها .

إنها حوراء ... طويلة ، مملوءة قليلاً ، أنيقة ، ذات عينين خضراوين  ، ووجنتين متوردتين من صنع الله الذي أتقن كل شيء خلقه    ، وشفتين نديتين هبة الرب إليها ، وحاجبين كأنهما هلالان في بداية شهر عربي ، واسعة الحدقتين ، ناعسة الأجفان ، طويلة الرموش ، ناعمة الخدين ، وأصابع  رقيقة ،

وأكف ّ  بيضاء ، وراحة كفّها كأنها صفحة ملساء .

شعرها ذهبي منسرح تتطاير خصلاته بين نسائم الربيع ، وكأنها سنابل القمح الصفراء حين تهزها الرياح الهادئة ، هذا الشعر بخصلاته كأنما أشعة الشمس الذهبية التي تتخلل في عيون الراغبين الى الدفء ، وكذلك هذا الشعر الأصفر البهي يتخلل الى عيون الحساد ... ومااكثرهم ! 

ويتخلل الى عيون النبلاء أمثالي ... وما أقلّهم !

لاتجد في هذه الفتاة الا الرقة ، ولا ترى في خلقها غير الدقة ، تعالى الله في خلقه عما يصفون .

رأيتها ذات يوم وقد آسرت قلبي رغم قوته ، وسرقت عقلي رغم حيائي ، نظرت اليها ولم يدر في خلدي ذات يوم اني سأعشقها عشق قيس الى ليلى ، بل لم يخطر ببالي انها من الممكن ان تلفت انتباهي اصلاً ، ليس لانها لاتستحق الالتفات الى جمالها الساحر ، بل لأني ذو حياء ودين ، على انه مرت بي خلال سنيّ حياتي نساء كثيرات  لم انتبه لإحداهن أبداً لأنني لاأهتم لمثل هذه الأمور .

لكن القدر شاء ان يفعل مالم يكن في حسباني أصلاً .

حين كنت ألتقي بتلك الحوراء    كنت أتجنب كثيراً أن تكون عيوني  في عيونها  وان تختلط نظراتي بنظراتها ، لا لشيء الا لأني أمام أنثى ساحرة الجمال أحاول ان أبتعد عنها ما استطعت .

وهي على الرغم من سحر جمالها ، وحلاوة طبعها إلا أن العفاف يسترها من كل جانب ، والحياء يحوطها من كل زاوية ، فلم يكن بمقدور  رجل في الأرض كلها أن تتأثر هي به ، أو ان يجلب انتباهها إليه ، لأنها فتاة ليست كباقي الفتيات ، فتاة لها دين ، وعفة ، وطهارة ، وقد تربت على اصول عائلتها الكريمة دون ان تخدش صفحتهم البيضاء بخدش طوال عمرها .

ولم يدر بخلَدي ذات يوم أني سأعشقها ... 

لأني لم أكن أفكر بالعشق ، ولم اكن احمِل نفسي عليه ، ورغم اني شاعر ولديّ من الرومانسية ماتكفيني ، لكني لم افكر بالعشق ذات يوم ، حتى دخلت الأميرة حياتي ، فدخلت قلبي  من اوسع أبوابه واستقرت في سويدائه ، فعشقتها عشقاً لم أكن قادراً على وصفه حتى لنفسي ، وكنت عاجزاً جداً عن أن أصف لها مايخالج فؤادي من حب كبير تجاهها ، ومن شعور لم اجد مثيلاً له بين اقراني من الرجال ، ولا أقرانها من النساء .

إنه عشق فاق كل عشق ، لانها امراة فاقت كل النساء ، فلم يعد بمقدوري ان اشرح ما يجوس قلبي ولا بمقدوري ان اعرض ما ينتابني من احساس عميق لحب بدأ ولن ينتهي ذات يوم ، ولم اكن أستطيع إظهاره لأحد خوفاً عليها من عاذلاتها ، وخوفاً عليّ من أترابي من الرجال الذين لن يتركوني بلا حسدٍ  لاني حصلت على هذه الجوهرة الثمينة .

والأميرة  ... حسناء  ذات ملبس أنيق جداً فاقت صاحباتها جميعاً في ذلك ،   بل وفاقت كل الفتيات  ، فكانت الأناقة قرينتها في كل يوم ملفوفة بزي العفاف والحياء ، فكانت الألوان الهادئة هي السمة السائدة في أزيائها ، فقمصانها الملونة  وبنطالها هو الاخر   لم تكن صارخة ابدا،  فلم تتعمد ان تجذب انظار الآخرين اليها بهذه الالوان او بهذه الموضة او تلك ، لكن الانظار كلها كانت تنجذب اليها بالفطرة لِما لأناقتها أثر كبير أمامهم ، لاسيّما ... أنا .

نعم ... أنا  .

والمراة الأنيقة هي التي يمكن لها ان تفرض نفسها على الجميع وذلك لان أناقة المراة شيء مكمل لها اضافة الى جمالها الفطري وعفتها وحيائها .

كنت اتابع عن كثب هذه الالوان الجميلة التي تلف جسدها الرشيق ، وكنت اشفق على نفسي كثيرا حين اراها بأناقة الأميرات ، وميس الظباء في مشيتها ، فقد كان اللون الأبيض او الأصفر يجذبانني جداً ، او اللون الرماني او البنفسجي ، كانت كلها الواناً راقية جداً هادئة وليست صارخة ، كل ذلك كان يجعلني أتابعها باستمرار  وأندب نفسي التي تعلقت بها كثيراً .

لقد أحببتها حقاً ... 

بل ... لقد عشقتها حد الموت او الجنون .

إرسال تعليق

0 تعليقات