الدماء النازفة: الشرعية الأيديولوجية للدولة الصدرية

مشاهدات



بقلم: الكاتب والباحث السياسي

الدكتور: أنمار نزار الدروبي


الشعب العراقي لا يطالب بالمستحيل وليس لأحد حق في مصادرة إرادته، لكنها السياسة، تلك الممارسة التي لا تنفك عن التلاعب في مقدرات الأمم ولا تنفكّ عن التحايل وخلق جميع المشاكل. ربما لأن نزعة الاستبداد غريزة في البشر، وأن الصراع مكتوب على البشريّة بمنطق جدل الحياة والديمومة. أمّا التاريخ فليس له شأن أكثر من تدوين الوقائع ليترك لنا بصمات آثار أشهر الدكتاتوريون والفاشيون المستبدون. هنا نقف على حافة وجودنا لننظر الى الأمام فنترك ما نعجز عن استيعابه لنسجّل صفحتنا الحضاريّة بطريقة شاذة عن المألوف الذي أتخمنا بالأساطير وسحر صياغة الأكذوبة.


في العراق تبدلت قوانين الأحلام والطبيعة، فلم يعد مقتدى الصدر ذلك المقدّس لأنه فقد معيار وزنه، فهو ليس أكثر من عامل كيل سياسي لا يختلف عن الصاع الذي دسّه يوسف النبي في رحل أخيه ليبرر احتجازه، أمّا قصة الخداع فهي لم ولن تنتهي عند خطاب الإصلاح، ذلك الخطاب العليل المريض الذي لا يعرف غير فوهة البندقية، خطاب طائفي مبني على العنف والقوة المفرطة في مواجهة أزماته، العنف الذي يمثل الأساس المحرك لسياسة الصدر واتباعه، حيث أن هذا الخطاب العليل المريض والعنيف هو استمرار لاستبداد ودكتاتورية (مقتدى الصدر) وكتلته الحزبية. إذن فهو خطاب متطرف يحتاج إلى معالجة ومواجهة عقلانية، وإلا سيصبح منظر الدماء النازفة في العراق بمثابة الهواء الذي يستنشقه المواطن العراقي.


 بلا شك أن من أبرز مظاهر قصور خطاب الكتلة الصدرية عموميته، بمعنى أنه يخلط بين الخطاب الوعظي والخطاب السياسي والخطاب التنظيري الفكري والخطاب الديني. وإن إصلاح هذا الخطاب لا يبدأ من جماعة الصدر أقصد الكتلة النيابية الصدرية أو المكتب السياسي للتيار الصدري، بل يبدأ إصلاحه من خارج التيار نفسه، وحتى لا نسقط فيما نحاول الفرار منه، بمعنى أن إصلاح التيار الصدري بشكل أساسي يأتي من استقالة مقتدى الصدر نهائيا عن العمل السياسي بصورة عامة، ومغادرة المدرسة الصدرية بشكل خاص. لكن أيا كان الأمر فالظاهرة المقتدية الصدرية أصبحت ملكا لتاريخ العراق وضربت بجذورها عميقا في مجتمعنا، ويستحيل اقتلاعها مهما تساقطت الجثث وسالت الدماء، فقد أثبت الصدر وجماعته قدرة غير عادية على البقاء والتجديد. ثم تستمر الرحلة بعد الضياع ليستقر الصدر وجماعته على أنهم بحسب اعتقادي (شعب الله المختار) بطريقة كهنوتيّة تعجن دماء الكثير من العراقيين. إن قضيّة الصراع ما بين الصدر وجماعته وبين باقي الشعب العراقي أشبه ما تكون بالحرب الأهليّة لمن يدرس تعقيدها التاريخي ولا ترقى لأبعد من ذلك.


 الحقيقة التي لا تقبل الجدال، أن السيد الصدر لا يأبه بنزيف الدم العراقي ويدرك تماما أنه قادر على إثارة الفوضى والسير على جثث العراقيين. حيث تمكن منه كابوس (داء العظمة) وتحولت أحلامه التوسعية على حساب الشعب إلى هوس انتقامي مستعد أن يحققها بدماء ملايين العراقيين. ومن أجل ذلك يطيح بكافة الأعراف والمواثيق والقيم. إنها عملية استعمارية متكاملة الأركان (الأيديولوجية الصدرية) التي ترتبط بأوهام مر عليها عشرات السنين، تلك الأوهام التي حولها الصدر إلى حرب عسكرية غوغائية على المجتمع العراقي، حرب معلنة ومفتوحة تسمح للصدر وجماعته بالعبث بمقدرات البلد، فالصدر يبحث عن زعامة زائفة عن طريقة قتل العراقيين.


في المقابل لسنا بحاجة إلى جهد كبير لكي ندرك هناك مدرسة تتبنى موقفا مؤيدا للصدر، تلك المدرسة التي جعلت من مقتدى بطل أسطوري من لحم ودم على الأرض، وهو صناعة ربانية خالصة، هو البطل الدرامي الأبرز والأهم فى تاريخ العراقيين. بيد أن هذه المدرسة وبكل تقديسها للصدر لا تنطلق من الاقتناع بشخصه، ولكن تنطلق من زاوية النفاق والرياء والخوف من القتل والاعتقال والتعذيب والتغييب. من هنا فإن هؤلاء الذين علا صوتهم وارتفع صرير أقلامهم للدفاع عن الصدر قد أساءوا إلى العراق، حين يمسون مشاعر العراقيين في أقدس ما يهمهم (الأمن والاستقرار وحرية التعبير والرأي وحقوق الإنسان) كل تلك الحقوق قد ابتلعها سيد مقتدى أو السيد القائد.


وتأسيسا لما تقدم، فإن فض الاشتباك مع الكارثة الصدرية أصبح حلم وهدف أغلب المجتمع العراقي، لكنه في الوقت نفسه محاط بعلامات استفهام كثيرة، وإن العراقيين الآن في حيرة وقلق لأنهم ليسوا أصحاب المشكلة بل هم طرف أساسي فيها.


السؤال المهم: هل بيننا من يستطيع أن يقدم إجابة موضوعية وشفافة عن مستقبل الصدر وتياره في العراق؟


أزعم أن أحدا من المفكرين والنخبة والسياسيين يملك تلك الإجابة، لأنه لا يوجد من يستطيع وله القدرة والإمكانية على التعامل مع مقتدى الصدر وصياغة مستقرة لعلاقة مع التيار الصدري بعموم الحالة السياسية في العراق، وفي حدود رأي المتواضع أن القاعدة واضحة والصياغة مستقرة والمؤشرات تؤكد أن الحالة الصدرية تمثل في الوقت الراهن حقيقة مؤلمة وسوداء في الأمة العراقية، وإن الآلام والسوداوية تكبر وتقوى يوما بعد يوم لأسباب معروفة للجميع.


 


إرسال تعليق

0 تعليقات