الكذب المشروع على مواقع التواصل الاجتماعي

مشاهدات




تحسین الشیخلي 




أجرى ثلاثة باحثین من معھد ” ماساشوستس للتكنولوجیا “ دراسة نشرت في مجلة ” ساینس ” العلمیة،

وخلصت الدراسة إلى أن مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي یمیلون إلى مشاركة الأخبار الزائفة على نحو أوسع وأسرع مقارنة بالأخبار الحقیقیة.

من ھذه الزاویة یمكن تعریف ظاھرة الأخبار الزائفة أو الأخبار المسمومة كظاھرة عالمیة، فجمیع الدول تعرف انتشار ھذه الأخبار الزائفة داخلھا وفیما بینھا وتخلق بعض المشاكل سواء على مستوى المجتمع او الافراد


فیما یمت إلى تصنیف الأخبار الزائفة ھناك ثلاتة أنواع ، أولھا یتمثل في التضخیم والمبالغة مثل أن حالات كورونا في مجتمع ما ھي أكثر مما ھو مصرح بھ مما یؤدي إلى حالة من الھلع المجتمعي، ثانیھا التقلیل عدم الاكتراث بالخطر المحدق بل واقتراح حلول وادعاءات باكتشاف الدواء بل ذھب بعضھم إلى القول أنھ رأى في حلمھ أشیاء إن طبقت ستنجو الإنسانیة من الوباء وأن الوباء من فعل فاعل. وأخبار مزیج من ما ھو صحیح وما ھو كذب ومزیف حیث یعمد أصحابھ إلى توظیف البیانات والجداول والخرائط والاحصائیات لإقناع والإیھام بالحقیقة المطلقة 


فیما یخص مجتمعاتنا الشرقیة و العربیة خصوصا ھناك تجذر لثقافة ألأشاعة ،حیث یصبح تشارك الخبر طقسا من طقوس العیش المشترك والحظوة المجتمعیة. كما أن عدم استبطان خطر الأخبار الزائفة یشكل عاملا أساسیا لاستفحال الظاھرة ، وتفاقم الأمر مع الحجر الصحي حیث تزاید الاتصال الرقمي و انضافت الیھا إشكالات العزلة الرقمیة مما دفع بالبعض لإبراز فاعلیتھ وتواجده داخل الشبكة من خلال ترویج أخبار كاذبة


في سیاق آخر یمكن اعتبار أن تأجیج الأخبار الزائفة وانتشارھا مرده كذلك حاجة المتلقي إلى تعویض نفسي. على بعض الاحباطات كأن یقبل بسھولة أن محاربة جائحة كورونا متوقف على عشاب او مدعي مثل ابو علي الشیباني أو رؤیة لیلیة مما یمكن من تأویل الأخبار الكاذبة 

فھذه أخبار تنبني على نوع من الذاتیة و الخدعة والافتراء والاشاعة والتشھیر حیث الخبر الكاذب ھو تحویل حقیقة معروفة إلى معلومة خاطئة تنشرھا منصات أو أشخاص مختصین في الأخبار الكاذبة. وھي كذلك أخبار مفبركة لأن أصحابھا یعمدون لتوضیبھا لغویا وثقافیا وھویاتیا أو إعطائھا صبغة معقدة توحي بصدقھا من خلال جداول ورسوم وإحصائیات وتنتشر بسرعة وعلى نطاق واسع بوتیرة وبائیة ویمكن كذلك لإنجاح انتشارھا تغلیفھا في صیغة كومیدیة. وھي كذلك محاولة للاستغباء من خلال خلق أستعراض

شخصي والحصول على أكبر عدد من المشاھدات . كما یتطلب التحقق من صحتھا وقتا نسبیا طویلا ومن ھنا تأتي قوتھا ویصبح مفعولھا فیروسي ووبائي مع قوة بعض المجموعات التي تساعد على انتشارھا السریع والصاروخي


انطلاقا من ھذه الحیثیات تمكن الأخبار الزائفة أصحابھا من تحقیق بعض الحاجیات النفسیة كالانتقام والكراھیة و مواجھة الخوف حیث أضحي العالم الرقمي الوعاء الأمثل لتفریخ المكبوتات النفسیة والتیھ الوجودي وتمریر بعض الایدیولوجیات كالتكفیر والتخوین ...أو المس بمنافس سیاسي أو اقتصادي أو ثقافي لهذا فالھدف منھا یحیل على طبیعة المستفدین ویمكن تصنیفھم إلى فئتین متباینتین : أغلبیة ذات أھداف مزدوجة منھا التأثیر السلبي وخلق بیئة مجتمعیة محبطة مع الحصول على عائدات ربحیة ،وأقلیة من مختلقي الأخبار الزائفة یمكن أن توصف ب”المرضى المجتمعیین” ھدفھم ودوافعھم لیست ربحیة بل غرضھم بث الفوضى في المجتمع من خلال منطق انھزامي وتشاؤمي.


فیما یمت إلى الأضرار التي تنتجھا ھذه الأخبار یمكن سرد لا للحصر عدة أضرار. 


أولا یتظافر الخبر الزائف مع التفاھة والرداءة وعدم الاختصاص كأن ینشر عشاب أنھ اكتشف دواء كورونا أو رجل دین يوصي ببول البعیر... فیصیر ما یسمى بمصطلح ھذه الایام ) الیوتیوبرز.. الناشطین على الیوتیوب واصحاب القنوات ( كقائد رأي جدید یفسد الانخراط المجتمعي ویعمق من الجھل . وھو في ھذا یركب على المآسي ویمكن من ھذه الزاویة اعتبار ھؤلاء المنخرطین في ترویج الأخبار الزائفة كتجار حرب یتاجرون في سذاجة وعفویة بعض المواطنین في زمن الحرب على جائحة ستقلب جمیع الموازین الدولیة وعواقبها تبدو غیر متوقعة.


ثانیا تساھم الأخبار الزائفة في تجدر بیئة من الھلع المجتمعي والتخمة المرضیة في المعلومة ولا علاقة لھذه التخمة بھامش حریة التعبیر لأن ھناك بون شاسع بین حریة التعبیر والخبر الزائف. لأن في راھن جائحة كورونا یمس الخبر الزائف بالعیش المشترك وكذلك بالمصیر المشترك للوطن 


ثالثا یھوي الخبر الزائف بالنقاش العمومي إلى مستویات بائسة تجعل المجتمع حبیس مسكنات وجھل وتیھ لا يمكنھ من الشعور بالخطر الوشیك لأن الخبر الزائف لیس خطأ بل خبر مفبرك مبیت لأن الخطأ یمكن أن نعتذر عنھ وھذا في التقالید الصحافیة لكن الخبر الكاذب لھ تداعیات على أرض الواقع حیث نمر من الرقمي الى الواقعي تحت تأثیر أخبار وتحریض واھي مما ینتج عنھ خلق بیئة من عدم الاستقرار وتفشي ثقافة العنف والكراھیة وظھور تلوث مجتمعي وسیاسي واقتصادي یصبح معھ التطھیر والتعقیم ضد ھذه الأخبار حاجة ملحة.


كما یتجلى خطر الخبر الزائف أنھ بالرغم من التكذیب ھناك من یرید أن یطلع علیھ لحاجة شخصیة وفضولیة والتأكد من أنھ فعلا خاطئ أو لأنھ یستجیب لبعض مطالبھ النفسیة فیعمد إلى نشره في محیطھ المغلق فیصبح الخبر الزائف ھو الخبر الشافي كتعویض نفسي. لذا فالخبر الزائف یقاوم الزمن حیث یعمد بعض الأشخاص إلى إعادة إحیائھ ونشره. فالخبر الزائف یحتفظ بھ لإعادة تكییفھ وتصریفھ في قضایا أو أحداث مغایرة فھو قابل للتدویر. وتباعا في حالة جائحة كورونا تؤثر الأخبار الكاذبة على الناس من خلال

ترسیخ حالة من الخوف والتوجس أكثر من حقیقة التھدید الوبائي في حد ذاتھ، بل إنھا تعترض إنجاح التدابیر الاحترازیة التي تتخذھا السلطات للتصدي لانتشار ھذا الوباء، وقد تدفع المواطنین، بشكل تضلیلي، لعدم التجاوب مع التوصیات والنصائح الوقائیة التي تقدمھا السلطات الصحیة المختصة بالارتھان إلى منطق ونسق ومصفوفة فكر المؤامرة


لربما نحن بحاجة الى توعیة تربویة بقیم التواصل الرقمي من خلال استغلال المنظومة التربویة و توجیھ النشأ والشباب وایضاح خطر ھذه الاخبار، لكن لا یمكن للمنظومة التعلیمیة أن تنجح في وظیفتھا وحربھا على الأخبار الزائفة بمفردھا إلا إذا ما تمت توعیة وتكوین الكبار وأولیاء الأمور والمشتغلون في محاضن التربیة والتنشئة بمخاطر وآفات ھذا النوع من الأخبار.


إرسال تعليق

0 تعليقات