الإعلام.. مسؤولية

مشاهدات



سعد الدغمان


صار دور الإعلام بأشكاله كافة أكثر خطورة وأهمية في حياتنا الآنية ، حتى أكثر مما هو متوقع منا أو مستخدم ، ( فنحن لم نتوقع ما حصل، وسوف لن نتوقع ما سيحصل)، ذلك أنا لانقرأ لا المستقبل ولا حتى الحاضر، ولانملك تخطيطاً أكثر من أن تتعلق خطننا بعداء "زيد" أوإقصاء "عمر". 

اليوم الكثير من المواقف والرّؤى يبنيها عدد كبير من الناس والحكومات خاصة عبر متابعتهم  لوسائل الإعلام، وتنجم عنها قرارات حيوية ومهمّة ومصيرية أحياناً. وهاك مثلاً ماجرى في العراق ، سقطت الحكومة وليست الدولة في 2003 عن طريق وسائل الإعلام والنهج الذي عملت  من خلاله على تحطيم مشاعر العراقيين عموماً ، والقوات المسلحة بشكل خاص، حتى دخل المحتل بأقل الخسائر ليحتل بغداد خلال ساعات.

طبعاً ، لسنا نروج لخواء الدولة أو الحكومة، بل نؤشر سيطرة الإعلام على العقول ، وتغيير المواقف لصالح من يستغل مفاصل هذا السلاح لصالحه بطريقة حرفية وبدراية كبيرة. 

هاك مثالاً أخر لقوة الإعلام وسطوته وتأثيره على العدو بشكل كبير يهز معنوياته حتى القمة ، وليس على مستوى الجندي البسيط على خطوط المواجهة، فخلال معارك ( أم قصر) والتي أستمرت ل ( 21 ) يوماً بين لواء ( تشكيل قتالي) عراقي، بمواجهة قوات التحالف أجمعها والتي تمثلت ب ( 32 ) دولة  بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا ، وهما دولتان عظميان تمتلك أقوى آلالات الحرب والإعلام، تم توظيف الإعلام العراقي بذلك المشهد تنظيما دقيقا ، أجبر بوش المجرم على العويل والبكاء وذلك موثق ( صحيفة الحقيقة) ، ما أضطره إلى تغيير الخطط بشكل كامل ، وإعادة تموضع جنود التحالف، والإتفاق مع جارة الشر المجوسية من قبل البريطانيين للإلتفاف على الجيش المقاوم في (أم قصر) عبر عبادان وتطويقه ثم انكساره.

ذلك ما أعلنه الرئيس الإيراني " الإسلامي" علي خاتمي من تأمر على العراق وتسهيل احتلاله، وهناك صفقات ومصالح لم يكشف عنها حتى اليوم، وجرى ما جرى واحتل العراق ، ودمر ونهب وبات بفعل الإسلاميين " دولة فاشلة" بكل المقاييس والمعايير ، ولم تستفد من فشل الدولة العراقية حتى اليوم  سوى ( إيران) نتيجة لذاك الإتفاق الذي جرى في 2003.

نعم نجح الإعلام العراقي في تغيير مشهد المعركة كاملة، لكن خيانة الفرس دفعت لتدمير العراق ونهب ثراوته، و ما كانت تتأمله إيران في أحلامها، جسدته لها أمريكا واقعا ملموساً وهدفاً سهل المنال، بتكريس الفشل والفوضى عبر الإعلام قبل غيره من المشاهد، فتم تصوير العراقي على أنه غير أبه بمصير بلده ، ولابمستقبل أطفاله، ولا حتى بدوره السياسي والاجتماعي في المنطقة.

حكومات تعاقبت ، لم تنتج شيء سوى منجزات عظيمة على المشهد الإعلامي ليس لها حضور على الواقع، تقدم افتراضي على وسائل الإعلام فقط، وبناء وإعمار ليس له من الواقع أي حظوة، حتى أنكشفت عورات الحكومة الأخيرة وهشاشة تكوين مفاصلها ، وبخاصة الأمنية التي تتحكم بها المليشيات ، وأن البناء الذي اعتمدوه منذ 18 عاما،  وشكلت أساسه الفوضى والإرهاب والمليشيات والسلاح المدعوم من إيران، لتُظهر ذلك  الوهن كله أمام حقيقة ثابتة قوية صادقة تم استغلال قوة الإعلام وتوظيفه لظهورها ،ولتَهزم ذلك المشهد الذي مثله الباطل على مدى عقدين من حكمه ، حين ظهرت السيدة الموقرة رغد صدام حسين في الإعلام مستغلة قوة ذلك الساحر المؤثر ( الإعلام)، أمثلة بينت قوة وتأثير الإعلام وسطوته على الواقع من المشهد الحاضر والقريب.

الإعلام مسؤولية .. لابد للعاملين فيه من المخلصين أن يعوا مقدار ما يدخله عملهم من بهجة في نفوسهم ، وزهوّهم بتحقيق إنجازات غير مسبوقة، فإنه يحمّلهم مسؤولية مضاعفة، وشعوراً بجسامة مهنتهم وخطورتها في تشكيل الوعي، أولاً، ثمّ تقديم الوقائع، بموضوعية مطلقة، تؤكّد صدقية الحدث، وعمق التعاطي الجاد مع كل القضايا التي تهم بلدهم ومجتمعهم وتكرس للبناء أولاً ، ثم لإعلاء قيم المواطنة الحقة ، والتي تفضح ما عداها من تبعية لأي جهة كانت، وبخاصة الطائفية أو المناطقية أو الحزبية المغلقة.

ولابد  وأن يكون الإعلام وطني يسير بخطى ثابتة نحو المستقبل، ويعمل على الارتقاء بأدواته وخططه لمجالات أرحب، وأكثر تأثيراً وإبداعاً بما يواكب المستجدات. ، وأن ينقل  صوراً  مضيئة من صفحات هذا الوطن، ويركز على إنجازات أبنائه بنهج مختلف، وبما يخدم المجتمع  ويواكب مصالحه.

نريد من إعلامنا – أن يكون أداة بناء لا العكس، نريده خادما لقضايانا الحيوية التي تعيد للعراق وشعبه جوهره وروحه الحقيقية، أمام ما تم تصويره وتكريسه بقصد الإساءة لصورة العراقي الوطني أينما كان  وفي أي زمان، نريد من إعلامنا أن يتحمل مسؤوليته في بناء الوعي المجتمعي للأجيال كي نستدرك ما ضاع منا ، والبدء بمرحلة جديدة تعلي شأن الحوار وتقدم التحاور على التقاتل، تكرس التواصل بدلاً عن القطيعة، تفند أراء من يدعوا للتشرذم عبر خطاب مغرض، وبالمقابل يعلي من شأن الصفات الوطنية النبيلة التي يتحلى بها العراقي والتي كان يتغنى بها الآخرون ( العراقي أبو الغيرة)، نريد من إعلامنا أن يصحوا من سنوات السبات والتخدير التي روجت لها الأحزاب المغرضة التي نصبها المحتل ، ويذهب بإتجاه مصلحته لا مصلحة تلك الأحزاب.

نريد من إعلامنا أن يتحمل المسؤولية عبر حملات هادفة تُنظم لنبذ أشكال التقاتل ، ونبذ السيطرة على الشارع بقوة السلاح، تلك النزعة التي فرضتها المليشيات كأسلوب وضيع لتهميش المجتمع ، ودفع عناصرها بقمع حريات الناس وتكميم أفواهم، نريد من إعلامنا أن يرفع صوته عالياً مدوياً نحو الأمم الأخرى لفضح تواطئها مع المحتل بشقيه الفارسي والأمريكي، ومع المليشيات التي تدير المشهد العراقي بقوة السلاح.

بإختصار نريد من إعلامنا أن يتحمل مسؤوليته تجاه الوطن والمواطن ، لا أن ينشغل بزواج الشاعرة، وقصة شعر الفنانة، وأداء البرلمانيين الهزيل ، والذي يؤسس لسرقات جديدة، نريده أن يفضح تلك الممارسات ، وأن يركز على قضايا جوهرية تهم المواطن. 

نريد من الإعلام أن يكون على قدر المسؤولية ، وأن يفضح ممارسات تلك التي يسمونها (حكومة) أمام الشعب،لا أن يطبل، فقد أودى التطبيل بحياتنا ، ودمر مستقبل الوطن، وكفانا نلهج وراء خونة الله والشعب والضمير، بدء من الأمم المتحدة ، والجامعة الخرفة ( جامعة الدول العربية) ، وما يتبعها من تهريج تعمل عليه حكومات الاحتلال منذ 2003 حتى الساعة، كفانا تهريج عبر قنوات لاعد لها تطبل للديمقراطية ، ودماء شبابنا في الناصرية تهدر برصاص "الجيش والأمن والمليشيات الحكومية"، وإعلامنا يغط في خوائه خائر القوى يدعم من يقتل ، ويعادي البريء. الإعلام مسؤولية قبل أن يكون منهج، ولابد لنا أن نمارسها بشرف كي نعيد وجه عراقنا المشرق.

إرسال تعليق

0 تعليقات