الانتخابات القادمة ..هل المحاصصة ماتزال قائمة..؟؟

مشاهدات



ثائرة اكرم العكيدي 


مالا يدركه بعض المشتغلين في السياسة أو في الفكر السياسي هنا في العراق هو أن أهم المشكلات ليست تغيير السلطة بل بناء دولة بالمعنى الحقوقي والسياسي تنهض بها المؤسسات المستقلة عن أية سلطة. مؤسسات تمثل صورة العقد الاجتماعي الجديد دولة لا تتغير ولا تتأثر ولا تهتز بتغير شخوص السلطة لأن السلطة فيها ستكون سلطة الدولة. فالاعتقاد بملكية السلطة أدى إلى ملكية الدولة والتماهي بين الدولة وسلطة المحاصصه ولهذا لانرى اي جهد مبذول خلال السنوات الاخيرة  لبناء دولة ذات سيادة وقانون دستوري يطبق على ارض الواقع .

لم تعد بدعة استغلال السلطة لفائدة المسؤول او اقاربه لأغراض الكسب المادي او المعنوي ضلالة بل امر يدعو للفخر في بعض المرات. فقد سبق وان روى مسؤول تنفيذي كبير رواية ارساله لابنه الذي ليس له صفة او صلاحيات رسمية على راس قوة عسكرية للقبض على حوت فساد كبير مقرب من جهات سياسية منافسة ذات أنياب مسلحة وبدون سند قانوني شرعي ليقوم بهذا العمل سوى كونه ابناُ للمسؤول التنفيذي الرفيع اياه ويستمد سلطته وهيبته من صلة قرابته هذه.

كما اصبحت سيطرة المتنفذين احزاباً وافراداً على املاك الدولة او شرائها بثمن بخس امراً دارجاً وكذلك هو تعيين الابناء والاقارب كمستشارين في المؤسسات الرسمية العليا او دبلوماسيين في سفارات البلاد في الخارج خارج الضوابط القانونية والوظيفية من كفاءة وتجربة… وكذلك الامر بقيام مسؤول محلي من احزاب السلطة بتوزيع قطع سكنية على ابناءه وابناء عمومته اوتسجيل معارف متمكنين مالياً للحصول على تقاعد او اعانة اجتماعية من الدولة دون مستحقيها من الفقراء والمعوزين. وغير ذلك من عجائب يشيب لها شعر الطفل الرضيع.

والأسوأ من حاكم مالك لخيرات البلد هو ظهور مثقف لهذا الحاكم  المثقف الذي يدافع عن مالك الغنيمة وهو يرى النتائج الكارثية المتولدة من منطق السلطة التحاصصية  وخاصة في هذه المرحلة بالذات  والمثقف الأسوأ من المدافع عن الحاكم هو الذي يواجه الحاكم بمنطق السلطة الغنيمة نفسها.

ان وجود إدارات تنصبت بالمحاصصة في مجال إدارة الدولة وفي جميـع المجـالات، فقد أثر سـلباً عـلى سير العملية السياسية والأمنية والاقتصادية؛ سواء كان موقفاً أو قراراً أو تشريعاً، لأن الاختيار لشغل منصب ما للأسف يتم حسب الانتماء السياسي، أو النسب، بغض النظر عن المؤهلات العلمية أو العملية ففي هذه الحالة لن يخدم محيطـه ولـن يفكر في الولاء للعراق. إن احترام مبدأ سيادة القانون والعدالة الاجتماعية يحتاج لتوافر الخـبرات والمهـارات الجيـدة لإعـداد دراسـات تحليليـة لتحديـد إيجابيات وعيوب كل بديل من أجل اتخاذ القرار الذي يساعد في تقليل الفساد وتعطيل المحاصصة بتغليب المصلحة الوطنية على الشخصـية.

وهنا خرجت على الساحة العراقية شريحتان وهما المثقف السلطوي والمثقف الأصولي يتحدثان بمنطق واحد. الأول يدافع عن حاكم أو جماعة حاكمة تحتفظ بالغنيمة وتبذل كل ما أوتيت من قوة وعنف وقتل وتدمير لمثل هذا الاحتفاظ. والثاني يتحدث عن استرداد الغنيمة من الأول. فيما الشعب الذي استيقظ مرةً وإلى الأبد إنما أراد أن يتحرر ويحرر السلطة من منطق المحاصصة  من حيث هي إنتاج مجتمعي لا يملكه أحد وتكون ااسلطة الاولى فيه هي صوت الشعب المكبود .ولهذا ثورة تشرين والتي اجهضدت مئات الشهداء هي ثورة تريد الانتقال من دولة السلطة المعبرة عن عقل المحاصصه والغنيمة، إلى سلطة الدولة المعبرة عن العقد الاجتماعي وعن دور الكفاءات والوطنية الخالصة التي يحملها شباب العراق الحر الشرفاء.

ان المحاصصة السياسية أضعفت قانون الدولة، وتمددت في إضعاف مؤسساتها بمساعدة عوامل أخرى، فكثير من الوزارات والمؤسسات تقع حالياً تحت سلطة الأحزاب السياسية وفصائلها المسلحة، وأيضاً هناك مناطق كبيرة في شمال وغرب العراق تقع تحت سلطة الفصائل غير النظامية وتطلق عليها مناطق محررة، أو تحت سيطرة المكاتب الاقتصادية صاحبة السلاح التي تفرض سلطتها عند تقاسم المشاريع والمقاولات والموازنات.

ومن الملاحظ أن تقاسم الثروات والسلطات وفق المحاصصة أصبح يدار من داخل مكاتب الأحزاب المسيطرة ومن قبل نافذين في الدولة، لا مانع لديهم في الوصول إلى السلطة على حساب مصالح أهلهم. إن أحد أكثر أسباب الفساد هو التطلع للسلطة عن طريق المحاصصة. لقد أصبحت المحاصصة الحزبية والطائفية صاحبة الصوت الأعلى في توزيع فرص العمل...

وعــلى المســتوى الاقتصادي باتت ثروات العراق غنيمة تطمع فيها القوى الإقليمية والدولية. وبــات للمحاصصة السياسية رعاة من خارج العراق لهم دور محوري منذ السقوط عام 2003. وبعد انهيار الدولـة، تـدخلت دول الجـوار في الشــأن العراقي بشــكل مبــاشر وغــير مبــاشر، فتدخل إيران في الشـأن العراقي أمنياً وسياسياً واقتصادياً كــان لــه تــأثيره الســلبي خلال السنوات الماضية. ولم تسع أحزاب غنيمة السلطة السياسية في العراق التي تسلمت الحكم بعد الاحتلال الأميركي إلى إعادة بناء الاقتصاد العراقي، رغم توفر موارد مالية كبيرة، وبدلاً من ذلك تحول الاقتصاد إلى ريعي، نتج عنه نهب ثروات العراق من قبل قيادات النخب الحاكمـة، وانتشار الفساد المالي والإداري وتفاقم البطالة والفقر وتردي مستوى الخدمات.

ان سلطة المحاصصة الغنيمة وهي وعي مدمر للعقد الاجتماعي العفوي، تفقد المجتمع أي نوع من أنواع التعاقد، لأنها تقود بالضرورة إلى السلطة المطلقة، حيث لا تنحصر السلطة المطلقة في رأس السلطة فقط، بل في الأولاد والأقرباء وما شابه ذلك. وهنا يكمن الخطر الأكبر. ذلك أن تحطيم العقد الاجتماعي الشفاهي دون عقد اجتماعي مكتوب يعني تحطيم المجتمع تحطيماً كلياً، ذلك من المحال تصور المجتمع دون أي عقد اجتماعي يحافظ على السلم الأهلي والحق والعيش المشترك. أجل لقد حطم عقل المحاصصه في الحكومات العراقية المتتالية ومنذ 2003 كل هذا وحدد مصيره بـإما قاتل وإما مقتول.

ان شيوع هذه الظاهرة يرتبط برباط وثيق بطبيعة المجتمع والنظام السياسي القائم بعد سنين من التراجع الفكري والقيمي المريع والمتمثل بتغول دور رجال الدين في الدولة وأعادة احياء اعراف عشائرية بالية وبوجود نظام سياسي قائم على محاصصة البشر والحجر والمصالح يجعل من الفساد والافساد سمة له نشأت تبعاً له شريحة اجتماعية فاسدة من الاعوان المستفيدين والساكتين على السرقات الكبرى لأولياء نعمتهم. ويبقي بذلك نظامهم السياسي مباديء دستورية مثل المساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين وصيانة حقوقهم وحرياتهم مجرد حبر على ورق.

ان تطــور دور المحاصصة إلــى المشــاركة فــي كل تفاصيل العمليــة السياســية، وحتــى لو كان ذلك لمصلحــة سلمية الــدولة، فقــد قامــت الأحزاب المسيطرة المنتفعة من سلطة الغنيمة باستثناءات خاصة لها، أصبحت تشكل تهديـداً للهويــة الوطنية، وتقدم مصلحة الهويات الفرعية وتحالفــاتها العصبيــة أو الطائفيــة أو القومية على المصلحة العامة. وظلــت التوازنــات مــع المحاصصة مكونــاً أساسياً فــي النظام السياسي بعد 2003. وليــس ســراً تزوير الانتخابــات بسبب المحاصصة والسلاح السائب الحارس لها لــدى بعــض الفصائل والعشائر العراقية لفرض مرشــحيها فــي الانتخابــات البرلمانية  بحيــث يلتــزم المنتمــون إلــى العشيرة والقرية بتأييــد مرشــحهم. ويحــدث ذلــك بغــض النظــر عــن برنامــج المرشــح السياســي كمــا يتجلــى دور المحاصصة وتقاسم الغنيمة فــي حــالات الاستقطاب السياســي أو الطائفي أو القومي.

الامر المهم ليس هنا بل بظاهرة استغلال السلطة بعمومها والتي استفحلت حتى باتت اشبه بقانون ثابت بعد انتهاج المحاصصة الطائفية العرقية المقيتة كنظام حكم. واصبح المسؤول في دولتنا وافراد عائلته وزملاءه الحزبيين ينظرون الى اي منصب بأعتباره غنيمة وحق سربله الله لهم ولحزبهم ولا تتورع احزابهم عن المطالبة بحقهم  بحصتهم هذه على رؤوس الاشهاد وعلى وسائل الاعلام بشكل يثير الاشمئزاز.

لخروج العراق مما هو فيه من دمار وفقر وفقد لسيادة الوطن يجب اولا تفكيك سيطرة المنظومات الطائفية على الدولة العراقية وازاحة  مفهوم المحاصصة المسيطر على الدولة.

ويبدو أن المجتمع العراقي بات يستشعر خطورة ترسيخ التقسيم الطائفي على مؤسسات الدولة بشكل عام، خصوصاً بعد أن كان "إلغاء المحاصصة" أحد أبرز مطالب احتجاجات أكتوبر (تشرين الأول) العراقية وأن ما حصل من رفض شعبي لتلك القوائم يبين أن حراك ترسيخ الطائفية السياسية لم ينجح بعد، فضلاً عن كونه ضرب لمساعي الأحزاب بالاستثمار الطائفي في الانتخابات المقبلة.

إرسال تعليق

0 تعليقات