في أميركا والشرق الأوسط دوافع التطرف واحدة

مشاهدات



د. ماجد السامرائي


بفحص سياسي سريع لدوافع التطرف والعنصرية والعنف في أميركا والشرق الأوسط أو باقي أنحاء المعمورة سنجد أنها واحدة تنطلق من الشعور بالنقص والكراهية والحقد على كل ما هو متحضر ومدني.

حدث سيبقى بصمة سوداء في تاريخ الولايات المتحدة

الاقتحام الشعبوي لمبنى الكونغرس الأميركي في السادس من يناير الحالي حدث هز العالم وليس أميركا فقط لما يشكله من رمز عالمي للديمقراطية، شابهه في الصدمة تاريخيا تدمير الجنود البريطانيين لنفس المبنى عام 1814 خلال الغزو البريطاني للأراضي الأميركية.

ما حدث لم يكن مفاجئا لعدد من القادة السياسيين الأميركيين من الحزب الديمقراطي لما عرفوه عن شخصية الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب من شعبوية وضبابية وشخصنة للعمل الديمقراطي الذي وصل إلى مرحلة النضج في بلد أعطى دروسا للعالم الحر الحديث في الانتقال السلمي السلس للسلطة، رغم التاريخ المخزي لاحتلال العراق وتغيير نظامه السياسي بالقوة العسكرية على يد رئيس جمهوري. ليس من السهل تجاوز تداعيات حدث مبنى الكونغرس سياسيّا بعد أن كشف أن الديمقراطية مهما تجذرت والرقي المدني مهما تعمّق لا ينهيان النزعات القومية والعنصرية المتطرفة. 

سيبقى الحدث بصمة سوداء في تاريخ الولايات المتحدة لكنه في الوقت ذاته سيشكل درسا مهما ليس للدول المتقدمة مثل أوروبا فقط، وإنما أيضا لشعوب العالم الثالث التي تتدرب على الدرس الديمقراطي وفي الوقت نفسه لا تمانع بل تنفذ عمليًّا استثمار الحرية الديمقراطية لتمرير منتجات العقل الميليشياوي الغوغائي في استخدام أدوات السلاح للقتل والاختطاف والإرهاب من أجل فرض أيديولوجيات لا صلة لها بحياة الشعوب الحديثة.

العنصريون الأميركيون، رغم قلتهم العددية قياسا بأكثر من ثلاث مئة مليون أميركي، كثيرا ما استغلوا الفرص للتعبير عن أفكارهم الشوفينية وإعطاء الصورة الهمجية الفوضوية، يجمعهم بصورة غير مباشرة معسكر واحد يضم في منطقة الشرق الأوسط جماعات داعش والقاعدة والإخوان والميليشيات الولائية في العراق. لأن مظاهر التطرف والعدوانية تنطلق من منبع واحد هو الشعور بطغيان القوة، “الكاوبوي الأميركي” يقابله الميليشياوي صاحب العقيدة المذهبية في العراق وأفغانستان وسوريا واليمن.

لفت هذا الحدث الصادم في مركز الديمقراطية واشنطن انتباه الأميركيين إلى أن وجود مئات المنظمات المتطرفة على مواقع التواصل الاجتماعي أو بعض الفعاليات الهامشية في الشارع التي تبيحها الحياة الديمقراطية قد لا يصبح مظهرا عابرا، إنما يمكن لبعض هذه المنظمات أن ترتقي إلى مستوى مواز للفعاليات السياسية الديمقراطية، بل ويمكن التأثير فيها إذا ما أعطيت الفرص لذلك، وهذا ما حصل في اقتحام مبنى الكونغرس لمحاولة تعطيل الفعالية البروتوكولية لفوز الرئيس جو بايدن بتشجيع مباشر من الرئيس ترامب.

ترامب المنتمي إلى الحزب الجمهوري الذي أوصله ليصبح رئيسا للولايات المتحدة كان ينبغي أن يعكس رسائل القادة الأميركيين الأوائل في الديمقراطية والحرية والتسامح والعدالة ونبذ العنصرية، لا أن يطلق أفكارا ودعوات وشعارات معادية للمهاجرين والمسلمين وتصريحات عنصرية ضد المكسيكيين ويصف لاجئي أميركا الوسطى بالغزاة وأغلب المهاجرين بالمجرمين. تلك الرسائل المتطرفة التي انطلقت من رئيس الولايات المتحدة دعّمت أفكار المنظمات الأميركية المتطرفة مثل كوكلوكس كلان وكيوآنون التي اقتحم البعض من عناصرها مبنى الكونغرس.

شعارات تبحث لها عن جمهور شعارات تبحث لها عن جمهور

غالبية هذه الجماعات لها أيديولوجيات وأدبيات متطرفة لمفهوم الدولة والأمة يعود تاريخها إلى 150 سنة مضت، تمثلت في هجمات ضد السود في الولايات المتحدة. وهناك أوساط سياسية غير قليلة خاصة داخل صفوف الحزب الجمهوري اعتمدت على بعض هذه الجماعات المسلحة المتطرفة الأناركية، لكن ما هو أخطر أن الرئيس ترامب أعطى شرعية لنشاطات تلك الجماعات.

هناك الكثير من الأمثلة القاسية عن الجرائم التي ارتكبها الجنود الأميركيون خارج الولايات المتحدة، الذين عكسوا تطرّفهم تحت شعار الدفاع عن قيم بلدهم في الحرية والديمقراطية بتنفيذهم أبشع أنواع التعذيب ضد المعتقلين العراقيين في سجن أبوغريب أو في مدينة الفلوجة خلال فترة الاحتلال، وكانوا منفذين لأوامر رئيسهم الجمهوري بوش الابن ووزير دفاعهم دونالد رامسفيلد ومجموعة اليمين المتطرف التي سوقت لاحتلال العراق وتدميره وتسليمه لميليشيات متطرفة هي من الأنماط ذاتها التي هاجمت مقر الكونغرس.

لا فرق في الدوافع بين اقتحام مقر الكونغرس وبين اقتحام الحرم المكي في السعودية عام 1979 من قبل جهيمان العتيبي وإعلان رفيقه محمد القحطاني أنه الإمام المنتظر ويجب اتّباعه. ويحمل الدلالة نفسها تفجير مرقد الإمامين العسكريين بسامراء عام 2006.

بفحص سياسي سريع لدوافع التطرف والعنصرية والعنف في أميركا والشرق الأوسط أو باقي أنحاء المعمورة سنجد أنها واحدة، تنطلق من الشعور بالنقص والكراهية والحقد على كل ما هو متحضر ومدني. سمعنا مثالا عن الانغلاق قبل أيام في تصريحات الولي الفقيه الإيراني علي خامئني الذي يمنع من خلالها استعمال لقاح الشركات الأميركية والبريطانية، وقد نجد هذه النظرة السوداوية تتسلل إلى تصريحات ومواقف مؤيدة لأنصاره في العراق.

بسبب الانغلاق الأيديولوجي العنصري أو المذهبي تلجأ هذه المجموعات -كمنظمات أو ميليشيات وأحزاب تصل إلى الحكم مستغلة مساحة الحرية والديمقراطية- إلى ممارسة كل ما هو مؤذ ومضر بالمجتمعات المتحضرة.

الأخطر هو تسييس هذه الدوافع الشاذة وتحويلها إلى شعارات تبحث لها عن جمهور، وقد تتاح لها الفرص والظروف للتسلل إلى البرلمانات، مثل ما حصل في العراق، أو تتلقى الرعاية والدعم من أعلى المراكز السياسية مثل ما حصل مع الرئيس الأميركي ترامب.

كثيرا ما تشكل الفوضى والأزمات ميداناً خصباً للتطرف في تناقض جوهري مع قيم الديمقراطية التي تعني حكم القانون قبل ممارسة حق الترشح والانتخاب. فالديمقراطية هي الضمان الحقيقي للقانون الذي يوفر الفرص للعيش المثمر، والثقافة الديمقراطية توفر الفرص لتجنب العنف ووسائل الإكراه والتقديس الأيديولوجي التي تمارس الإرهاب الفكري.

لا شك في أن نظام ملالي طهران سعيد بما حصل من اقتحام لمبنى الكونغرس للتغطية على ممارساته الميليشياوية في العراق ولتاريخه في احتلال السفارات، وللإيحاء المُغرض بأن مركز الديمقراطية واشنطن تسوده الفوضى. لكن الحقيقة هي أن سلوك المتطرفين الأميركيين الذين هاجموا مقر الكونغرس لا يمثل الحياة الديمقراطية الراقية التي تسمُ الشعب الأميركي. ولن تتوفر الفرصة أمام قادة النظام الإيراني ووكلائهم في المنطقة لخلط الأوراق. العنف والفوضى والإرهاب عقلها ومذهبها واحد هو الجهل والتخلف والتطرف سواء أكان في أميركا أو العراق أو إيران أو أي بلد آخر في العالم.

كاتب عراقي

إرسال تعليق

0 تعليقات