حلّ جيش العراق كان على لائحة مؤتمر لندن

مشاهدات



د. باهرة الشيخلي


في الذكرى المئوية لتأسيس الجيش العراقي، لم ينس العراقيون كيف أن المستوطنين حكام اليوم جندوا أنفسهم تحت العلم الإيراني ورفعوا السلاح في وجه العراق.

صفحات مشرقة في تاريخ الجيش العراقي

احتفل العراقيون الأربعاء الماضي، بالذكرى المئوية لتأسيس الجيش العراقي، لكن ما أغضبهم في خضم احتفالهم مادة “إنفوغرافيك” نشرتها وكالة الأنباء العراقية الرسمية نقلاً عن وزارة الدفاع في العراق.

تحدث “الإنفوغرافيك” عن تاريخ الجيش العراقي منذ عام 1921 الذي شهد التأسيس إلى سنة 2020، لكنه تجاهل ذكر الحرب العراقية – الإيرانية واحتلال الكويت والحرب الأميركية على العراق سنة 2003.

اتهم الناشط المعروف عدي الزيدي، وزير الدفاع، الذي كان ضابطاً في الجيش العراقي أثناء الحرب ضد إيران بأنه هو الذي رفع من النشرة المصورة، عن عمد، حرب الثماني سنوات، التي منعت تغلغل إيران وأطماعها في المنطقة، واصفاً ذلك بأنه “واقعة تثبت وبالدليل القاطع خضوع هذا الوزير وإعلام وزارته إلى إيران وخوفه منها على منصبه”، مضيفاً “نقولها لوزير الدفاع وكل من يخجل من هذه الحرب التي أثبتت للمشككين أنها كانت حرباً مقدسة دافعت عن العراق والأمة العربية من واقع مزرٍ كان بانتظارها لو انتصرت إيران بالحرب، آنذاك”.

وقال ياسر الجبوري في صفحته على تويتر إن نشر انتصارات الجيش العراقي والتغافل عن الانتصار في الحرب العراقية – الإيرانية، ما هو إلا رسالة صريحة وواضحة أن وكالة الأنباء العراقية لا تزال أداة بيد الولائيين وأحزابهم الإسلامية التي عاثت بالعراق فساداً.

واضح أن تجاهل الوكالة “تضحيات الجيش العراقي في حربه ضد إيران خلال ذكرها لمآثر جيشنا خلال مئة عام يدل على مدى هيمنة النظام الإيراني على العراق ومؤسساته الحكومية ونظامه السياسي” كما رأى عمر الجنابيعلى تويتر أيضاً، متسائلاً “ماذا قدمت إيران للسلطة في العراق حتى تُكن لها كل هذا الولاء؟”.

المفارقة التي حصلت خلال هذا الاحتفال أن إقليم كردستان أصدر توضيحاً، حسب وكالة شفق نيوز الكردية، أعلنت فيه دائرة الإعلام والمعلومات في حكومة الإقليم أن الدوام سيكون طبيعياً في الدوائر والمؤسسات الحكومية في الإقليم بهذا اليوم ولا توجد عطلة رسمية كما في المحافظات العراقية والعاصمة.

وإذا كان تحفظ القادة الكرد على ذكرى تأسيس الجيش العراقي مفهوماً “لما تعرض له الكرد على أيدي القوات المسلحة من قتل وتشريد وتدمير للممتلكات ومصادرتها في القرن الماضي”، وأن “الجيش الذي أعيد تشكيله مرة أخرى بعد الاحتلال سنة 2003 لم يُراعَ فيه التوازن بين المكونات”، حسب تعبير أولئك القادة، فليس مفهوماً أن تحتفل أحزاب وميليشيات شيعية بهذه الذكرى مع أنها قاتلت الجيش العراقي جنباً إلى جنب الجيش الإيراني في حرب الخليج الأولى، ثم بعد احتلال العراق أعدمت قادته وسجنتهم وما زال قسم من هؤلاء القادة يرزحون في السجون كما شرّدت وقتلت ضباطه ومراتبه وما تزال.

تجاهل وكالة الأنباء العراقية تضحيات الجيش العراقي في حربه ضد إيران أثناء ذكرها مآثر هذا الجيش خلال مئة عام، يدل على مدى هيمنة النظام الإيراني على العراق ومؤسساته الحكومية ونظامه السياسي

وكانت التهنئة التي قدمها تحالف الفتح بزعامة هادي العامري أكثر ما أثار التهكم والتعليقات الساخرة بين العراقيين، الذين عدّوها “نكتة” متداولين مقطعاً مصوراً بثه التلفزيون الإيراني خلال حرب إيران ضد العراق يظهر فيه هادي العامري وهو يقاتل إلى جانب الجيش الإيراني مؤكداً ولاءه للمرشد الإيراني السابق آية الله الخميني، حسب قناة “الحرة – واشنطن”.

وهنأ تحالف العامري قادة وجنود الجيش العراقي مشيداً بما قدمه خلال السنوات المئة الماضية في بيان صدر عنه، ما حدا بالقيادي السابق في التيار الصدري والناشط البارز في الاحتجاجات أسعد الناصري إلى نشر صورة للعامري مأخوذة من ذلك المقطع ومذيلة بوسم “عيد الجيش العراقي”، وهو نفسه ما دفع الكاتبة والباحثة العراقية رجاء يوسف إلى انتقاد التناقض الذي أظهره العامري من خلال “استذكار بطولات الجيش العراقي وفي الوقت ذاته افتخاره بمحاربة هذا الجيش وقتل العديد من أفراده”، في تغريدة نشرتها على تويتر، في حين نشرت الإعلامية والأديبة العراقية ذكرى محمد نادر على صفحتها في تويتر مقطع الفيديو الذي يظهر فيه العامري، ووصفت تهنئته للجيش العراقي بأنها “نكتة”.

يتهم معارضون ومراقبون منظمة بدر التي يتزعمها العامري بتنفيذ عمليات اغتيال وقتل واسعة وقعت بعد سنة 2003، واستهدفت طيارين عراقيين وضباط جيش شاركوا في الحرب ضد إيران، كما وجهت اتهامات كثيرة للمنظمة بتنفيذ اغتيالات وانتهاكات واسعة النطاق ضد مواطنين سنّة احتجزوا في سجون سرية كانت تديرها المنظمة.

وانتقد أستاذ الفلسفة الدكتور عبدالستار الراوي، وكان آخر سفير لبغداد في طهران قبل احتلال العراق، تجاهل وزارة الدفاع في العراق حرب الثماني سنوات، وقال في حديث مطول معي “إن وزارة الدفاع في العراق لا صلةً لها بالجيش الأصيل، جيش 6 يناير، فقد تمّ حلّ المؤسسة العسكرية واجتثاث ضباطها وتسريح قادتها وحلّ تشكيلاتها، لم يبق من جيش 6 يناير 1921 سوى الاسم فقد حلّ جيش موازٍ من أجنحة الأحزاب المسلحة ومن ميليشياتها الإرهابية محله”.

ووصف “الإنفوغرافيك” الذي أصدرته الوزارة بأنه يمثل “صورة كاريكاتيرية ساذجة بل إهانة متعمدة للجيش الوطني الأصيل”، مشيراً إلى أن وزارة الدفاع حاولت إقصاء صورة الجيش الحقيقية عندما غيّبت بطولاته الملحمية في حماية العراق والدفاع عن استقلال البلاد، في إيماءة إلى حرب الخليج الأولى التي صرح المرشد الإيراني السابق روح الله الخميني بأنها أذاقته السم الزعاف.

من وجهة نظر إعلامية يرى عميد كلية الإعلام الأسبق في جامعة بغداد الدكتور عبدالرزاق الدليمي أن احتفالات الولائيين بذكرى تأسيس الجيش في العراق غلب عليها الانفصام والازدواجية التي برزت من خلال أن الجيش العراقي حلته سلطات الاحتلال ولم يعد له وجود، وأن الجيش الجديد لا يمت بأية صلة إلى الجيش الوطني العراقي السابق، فالعقيدة والتسليح والمبادئ والقيم والأهداف وغيرها كلها مختلفة، كما أن هناك عقدة تؤرق حكام العراق بعد احتلاله فجميعهم ذيول للنظام الحاكم في إيران وكانوا يقاتلون ضد هذا الجيش أثناء الحرب العراقية – الإيرانية الذي مرّغ أنوفهم وأنوف أسيادهم بالوحل.

ولذلك فالعقدة والحقد على هذا الجيش ستبقى تلاحقهم ما داموا أحياءً، وهم يعيشون هذه المفارقة كونهم لا يستطيعون محو تاريخ هذا الجيش وإنجازاته العظيمة، ولهذا فهم يحتفلون بجزء من التاريخ لأنهم لا يستطيعون نكرانه ويربطونه بجيشهم، الذي تم تأسيسه بلا هوية وعقيدة وطنية عراقية بينما يقفزون متعمدين على محطات مهمة من هذا التاريخ وعلى وجه التحديد الحقبة الممتدة من 1980 وما بعدها.

إن العُقد والكراهية والحقد على جيش العراق الوطني البطل لم تكن محصورة بالنظام الإيراني بل تشمل قيادات الولايات المتحدة ومن يحكمهم من الصهاينة، فلهذا الجيش صولات وجولات بددت وأضعفت صورة الجيوش الأميركية في العالم خلال المواجهات في 1991 و2003 وأثناء صفحة المقاومة التي خاضها الجيش العراقي ضد قوات الاحتلال وكاد أن يدفع إدارة بوش الابن إلى الانسحاب وإعلان الهزيمة لولا خيانة المنتفعين من الاحتلال ودعم النظام الإيراني وذيوله لقوات الاحتلال، يضاف إلى ذلك أن الإسرائيليين هم أكثر المستفيدين من حل الجيش العراقي كونه الوحيد الذي كان يرعبهم ويمثل مصدر قلق دائم لهم، حسب الدليمي نفسه.

في الذكرى المئوية لتأسيس الجيش العراقي، لم ينس العراقيون كيف أن المستوطنين حكام اليوم جندوا أنفسهم تحت العلم الإيراني ورفعوا السلاح في وجه العراق، وكيف كان حلّ الجيش على لائحة الأحزاب المشاركة في مؤتمر لندن، وكيف كان جيش العراق درع المواطنة الحصين، وكيف كان الانضباط والالتزام فيه حمايةً للشعب ودفاعاً عن الوطن، كما عبّر عن ذلك المؤرخ العسكري اللواء الركن محمد خالد في “موسوعة الجيش العراقي”، الصادرة عام 1985.

في الختام إن إهمالالإنفوغرافيكعن عمد، الصفحات المشرقة لجيش يناير في معارك الدفاع عن فلسطين وعن أقطار العروبة، وهو الجيش العظيم، الذي كان سوراً وسيفاً لوطنه ليس بإمكانه إلغاء هذه الصفحات المشرقة في التاريخ التي لم يتخلف عراقي واحد عن تسطيرها، والسلام على الشهداء.

إرسال تعليق

0 تعليقات