القاهرة - أرسل بيان لوزارة الخارجية المصرية، الخميس، إشارات إلى أن القاهرة بدأت بتلطيف خطابها تجاه المصالحة مع قطر، قبل أيام قليلة من انعقاد القمة الخليجية، ما فتح الباب أمام التأويلات بشأن تغير في الموقف المصري ووجود ضمانات ربما تمهد لمشاركة الرئيس عبدالفتاح السيسي في القمة.
وقال البيان إن “مصر دائما تسعى لدعم الجهود الصادقة المبذولة للحفاظ على وحدة الصف العربي والتوصل إلى المصالحة”.
وشدد المتحدث باسم الخارجية أحمد حافظ، وفق البيان، على “أهمية صدق النوايا لإنجاز مُصالحة حقيقية تُعيد العلاقات العربية لخصوصيتها”.
وأشار إلى ضرورة “مراعاة مبادئ الالتزام بعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والتصدي لكل ما يُهدد أمن واستقرار الدول والشعوب العربية، ويحافظ على الأمن القومي العربي”.
واعتبرت مصادر سياسية مصرية أن بيان وزارة الخارجية في هذا التوقيت حمّال أوجه، فقد يكون رمى إلى رفع العتب عن القاهرة كعنصر معطل للمصالحة.
وقالت المصادر، في تصريح لـ”العرب”، “من الطبيعي تثمين المصالحة بشكل عام، وهي لغة فضفاضة تلجأ إليها بعض الدول لتطييب الخواطر ورفع العتب الدبلوماسي، خاصة عندما يزج باسمها كطرف محدد في نجاح القمة أو فشلها”.
وراجت معلومات خلال الأيام الماضية حول حضور الرئيس المصري قمة مجلس التعاون الخليجي المؤمل انعقادها في مدينة العلا السعودية في الخامس من يناير، بما قد يوحي بأن هناك تفاهمات للوصول إلى مصالحة شاملة بين قطر والدول الأربع، وأنه جرى تخطي صعوباتها الرئيسية.
ولم تؤكد أو تنفي مصادر دبلوماسية مصرية في تصريح لـ”العرب” حضور السيسي القمة، لكنها ربطت الحضور من عدمه بالعودة إلى سبب الأزمة، وهو وقف دعم قطر جماعة الإخوان المسلمين، وهي عقدة بحاجة إلى تفكيك نهائي.
وأشارت المصادر ذاتها إلى أن الإدارة الأميركية المندفعة وراء المصالحة الخليجية للتفرغ لإيران، أجرت اتصالات مع القاهرة مؤخرا، وجاء الرد المصري بأن أي مصالحة دون تسوية جذور الأزمة لن تكون مجدية، وركز على ضرورة توافر ضمانات في ملف وقف تمويل جماعة الإخوان وعدم دعم التنظيمات المتطرفة وتسليم مطلوبين خطرين.
وقال متابعون للشأن المصري إن العبارات التي صيغ بها بيان الخارجية تبدو منتقاة وتستهدف الرد على تساؤلات محددة، وتوصيل رسائل إلى من اهتموا بحضور السيسي من عدمه للقمة في السعودية، لافتين إلى أنه مع أن المضمون دبلوماسي، غير أن إعادة تكرار الكلمات خاصة بشأن عدم التدخل، توحي بأن الأسباب الرئيسية التي دعت إلى المقاطعة لا تزال حاضرة.
ويمكن تفسير صدور البيان قبل أيام قليلة من القمة الخليجية، بأنه يحوي إشارة إلى أن السعودية لا تقود المصالحة بمفردها، وأن الدول الثلاث الأخرى متضامنة ومشاركة معها بالدرجة نفسها، طالما أن الأمر سيعالج الأزمة من جذورها، ولا يسمح للدوحة بالعودة إلى مناوراتها المعتادة.
وشدد عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، السفير نبيل بدرالدين، على أن موقف القاهرة من مسألة المصالحة مع الدوحة غير منفصل عن موقف باقي دول الرباعي العربي، وينسجم معها في إطار رؤية مشتركة باتجاه ممارسة الضغط على قطر عبر أدوات مختلفة، بشكل يفضي إلى عودة الأمور إلى نصابها الطبيعي.
وقال بدرالدين في تصريح لـ”العرب” إن هناك اتفاقا بين الدول الأربع على ضرورة مراعاة قطر للشروط التي وضعت منذ بداية الأزمة، كي تتوافق الحلول مع الأسباب التي دفعت إلى اتخاذ قرار المقاطعة، وبالتالي فقرار المضي في مسار المصالحة أو الرجوع عنه “سيكون قرارا واحدا للرباعية، وليس قرار دولة بمفردها”.
وأوضح أن هناك أسئلة عديدة تطرحها الدولة المصرية، بجانب دول خليجية، ترتبط بمدى قدرة قطر على تغيير طبيعة تحالفاتها الإقليمية في المنطقة مع كل من تركيا وإيران، ومراعاة المصالح العربية بصفة عامة، وأن الكرة الآن أضحت في ملعب الدوحة لتقرر إمكانية نجاح جهود حل الأزمة من عدمه.
وتميل القاهرة إلى تخفيف حدة الضغوط الإقليمية خلال الفترة المقبلة، خوفا من مواجهة صعوبات في التعامل مع الإدارة الأميركية الجديدة تحت رئاسة جو بايدن، وهو ما يجعلها تتجاوب مع فكرة المصالحات مع قطر وتركيا، لكن في نطاق الشروط المصرية المعلنة، ورفض تقديم تنازلات مجانية لأحد.
وكشفت حالة الفرح الشديدة التي تخيم على قيادات الإخوان منذ نجاح بايدن أن ملف الجماعة سيجد مناصرين له داخل البيت الأبيض وخارجه، ما يعني أن دور الدوحة وأنقرة يمكن أن ينتعش في هذه الزاوية، بما يمنح حديث المصالحة أهمية سياسية حتى يتسنى استكشاف حقيقة الطريق الذي سوف تسير فيه واشنطن في عهد بايدن.
وشككت دوائر عربية في قدرة الدوحة على الاستجابة للشروط السابقة أو جزء منها، لأنها ستضطرها إلى تغيير في الكثير من البنى السياسية والإعلامية التي يستمد النظام القطري منها قوته، وإذا استجابت للضغوط التي تمارس عليها فقد تواجه تحديات أشد مما مضى عليها في ظل المقاطعة.
ورجحت هذه الدوائر أن تفتعل قطر أزمة قبيل ساعات من قمة الرياض مع مصر أو الإمارات أو البحرين، لأن الحصار الذي يطوقها من جانب الإدارة الأميركية والسعودية حاليا لحضها على المصالحة، يواجه على الضفة الأخرى بضغوط مماثلة من جانب تركيا وإيران وروافدهما الأمنية والسياسية لدفعها نحو الرفض.
0 تعليقات