عرس الزين

مشاهدات



حسان الحديثي


تعجبني الشخصيات المتروكة والمهملة في المجتمع والتي يكتشف الناس دورها وأثرها في حياتهم لتكون فاعلة مؤثرة فيهم بعد حين، لأجل ذلك أحببت "كوازيمودو" في رواية أحدب نوتردام لفكتور هوغو والذي تركه أهله صغيراً مشوهاً بعيب خلقي في الكنيسة ليكبر فيها بعناية القس ويعيش قصة حب يموت متأثراً بها. 

كذلك شخصية الأمير ميشكين في رواية "الأبله"  للروائي الروسي الساحر فيودور دوستويفسكي والذي ظنّه من حوله انه انسان غبي ساذج لطيبة قلبه بينما كان يحمل عقلاً راجحاً وحباً عظيماً للناس لجأ له لاحقاً كل من تهكم عليه آنفاً، وعظمة هذه الشخصية تكمن في محاولته تحقيق السعادة لأعدائه وأصدقائه على حدٍ سواء 

أمسِ رأيت صورة لعربة بسيطة تدور في الدروب والحارات تجمع الخردة وقد كتب عليها بالفارسية "شراء الخردة مجرد حجة، أدور في المدن شارعاً شارعاً لعلي أجدك".

اعجبتني العبارة جداً ووجدتها تنطوي على روحٍ مُحبةٍ فارسلتها لصديقين أحدهم د. حامد الراوي -وهكذا شأني  كلما قرات او سمعت شيئاً جميلاً- ارسلته لهما. 

فكتب لي الراوي: يعجبني الترويج للحب بأية طريقة كانت حتى وان كانت محض افتراض. ثم اشار لرواية "عرس الزين" للروائي السوداني "الطيب الصالح" والتي لم اقرأها ولم اسمع بها من قبل. 

استفزتني عبارة "الترويج للحب" فلم أنم حتى بحثت عن الرواية واتممت قراءتها فوجدتها روايةً اجتماعيةً عاليةَ القيمة تدور أحداثُها بقرية من قرى السودان حول فتى يقال له "الزين" كان دميمَ الوجهِ مشوهَ الخَلق ولكنه صاحب قلب طيب يقع بحب بنات القرية واحدةً تلو الأخرى وكلما أحبَّ واحدة منهن شاع الخبر وأنتبه شبان القرية لها ليتقدموا لها ويخطبوها ولتتزوج سريعاً حتى فطِن لذلك أمهات الفتيات ورأين أن "الزين" خيرُ من يروّج لبناتهن للزواج ثم لينتبه أهل القرية لاحقاً أن "الزين" أعظم من ذلك فهو رجل مبروك لينتهي المطاف بـه بان يتزوج احدى اجمل البنات لصفائه وطيبته وحسن تعامله مع الناس ولتنتهي الرواية بعرسه "عرس الزين".

لقد ادخل "الطيب الصالح" تشبيهات وحوارات رائعة كوصفه لمجموعة من الشباب تسهر تحت مصباح فيصف المصباح أنه يمدُّ اليهم لساناً من نور فيصيبهم به واحداً واحداً، مع سرد جميل تخللته الكثير من الحوارات العامية باللهجة السودانية والتي ربما تحتاج للوقوف قليلا على بعض معانيها الصعبة لغير السودانيين. 

كما أشار الى ذات الأمر الذي أشار له كل من دوستويفسكي وهوغو في روايتيهما "الأحدب" و "الأبله" وهو ازدراء الناس لشخص والتهكم عليه لعيب في خَلقٍ او لسذاجة وطيبة في التفكير والتصرف ثم ليكون مؤثراً في حياتهم لاحقاً. 

حين انتهيت من الرواية تذكرت عبارةً قالها لي صديقي رياض ابن مدينة الثورة بضاحية بغداد كنا يومها نتأهب لدخول احدى المعارك في حربنا الشرسة مع ايران في ثمانينيات القرن الفائت وكان رياض يحب فتاة في الحي الفقير الذي يعيش فيه، قال للجنود يومها : لن نموت لاننا نحب والمحبون لا يموتون ، صحيحٌ ان الجلال كلَّه في الموت من أجل الوطن ولكن الجمال كلَّه في العيش من أجل الحبيبة. 

لقد كان رياض أول الراحلين في تلك المعركة وأحد الثابتين في الذاكرة ليس لانه مات من أجل الوطن فحسب، ولكن لانه كان يروج للحب وهو على بعد انفاس من الموت.

إرسال تعليق

0 تعليقات