"قوة الكراهية"

مشاهدات



وائل رياض


"الكل يصدق قصص فظائع العدو، ويكذب قصص فظائع الجانب الذي هو معه" 

كانت تلك إحدى أصدق الجمل التي أطلقها الروائي الإنكليزي "إريك أرثر بلير" والمعروف شهرة  باسم " جورج أورويل" فغالبا ما يكون طرفا الصراع بهذه النظرة الآحادية التي تقصي الآخر والتي تأله الحلفاء أو الرفاق وتجعلهم في منزلة الأبطال الخارقين أو الملائكة الصالحين دون أي خطأ أو سهو.

إن السر وراء هذا التعصب الذي يبعد العقول عن الحقيقة والبراهين ويمنع العيون عن الرؤية بوضوح إنما هي قوة الكراهية, هذه القوة الخارقة وعند مطالعة تواريخ حروب الأمم والمجازر والمذابح تفوق أي قوة فلا أفيال كورش ولا خطط الإسكندر ولا مدخرات دول العالم الحديث من القنابل النووية ستعادل تلك القوة.

ففي استعمالها شواهد كثيرة غيبت الكثير من الأمم وسهلت انقيادها للحاكم والسلطان في كل زمان ومكان لم تكن معارك الفرس الصفووين والأتراك العثمانيين حامية الوطيس بسبب قوة الجيوش وخبرة القادة وإنما داءت بدفع كبير من قوة الكراهية, فقد عمل وعاظ السلاطين على إذكاء نار الفرقة وإحياء المندثر من روايات الخلاف بل وعند بعض المؤرخين استحدثت مرويات أخرى لا وجود لها كان هدفها الأول ليس الانتصار للطائفة أو الدين, لقد كانت تعمل بانتظام لشحن نفوس الشعوب والمقاتلين بقوة الكراهية والتعصب ليكون ذلك أهم الدوافع لخوض الحرب إما ضد الشيعة المشركين أو ضد السنة أتباع يزيد وأحفاد قتلة الإمام الحسين.

هذه القوة يعلم بها أهل السياسة ويجهلها العوام فكانت النتيجة تكرارًا مستمرًا لاستعمالها دون أن ينتبه أي جندي لما هو فاعله من أعمال إجرامية, لقد مكنت قوة الكراهية الألمان من قتل الأطفال اليهود بدم بارد بدافع الكراهية لا غير, ومكنت كذلك العديد من مقاتلي عصابات الهاغانا لارتكاب الفضائع بحق الفلسطينين بدافع تلك القوة انتقاما مما فعله بهم العالم ليقعوا في نفس الحبال, وليرد بعدها المتطرفون المسلمون بأعمال ضد المدنيين الإسرائيليين انتقاما من أعمال لم يروها ولا يد لهم بها.

للأسف الشديد قوة الكراهية هذه شديدة العدوى, وسهلة التطويع بيد الحكام والثوار الطارئين فمن أراد أن يثبت حكمه ويبعد المشاكل الداخلية عن بلاطه ما عليه سوى إشعالها ورميها بين أبناء شعبه الذي لن يرى أي جرائم يفعلها لكنها سيرى فقط الآخرين.

هذا ما يحصل تمامًا في العراق, فقد استغل قواد الأطراف السياسية المتصارعة التنوع العرقي والإثني لهذا البلد النفطي, ليعملوا على إشعال قوة الكراهية في كل خطاب وقد نجحت نوايهم لحد ما فكل الأطراف المتصارعة تدرك أن العراق يعاني من الظلم والفساد وغياب القانون, لكن أحدهم لن يجرؤ على  أن يخالف قوة الكراهية التي زرعت فيه باتهام الطرف الذي ينتمي إليه لتكون النتيجة دائرة لا نهائية من الاتهامات بين الأطراف المتصارعة دون حل نهائي لهذه المشكلة, وللأسف الشديد يبدو أن العراق متجه وبسرعة صوب الهاوية مالم يدرك كل فرد عراقي أنه ملك لقوة الكراهية.



إرسال تعليق

0 تعليقات