منازل القمر .. قصة حلم شهيد ..

مشاهدات




ثائرة اكرم العكيدي ..


سلاما ياحلم الوطن العظيم حلم سرى يطوي انهار وجبالا اهوارا وهضاب سلام يا مزننا تهادت  وغيمه استبشرت فيه حاضر ومستقبل الشباب واستبشرنا بك خيرا ايها الحلم البعيد المصاب  فوجدنا  برؤياك ساحة التحرير وقلب رفاقي من الفرح غرّد وذاب رؤياك تفهمها العقول الفهيمه وتضيق منها رؤسا ماتت الكرامة عند اقدامها فلا على الباغي عتاب ... انا شهيد تشرين ..

كَبرت وللأسف كبرت معي هذه الاحلام، و هذا الحب غير المشروط لبلدي و أرضي ، حب دفعني للبحث عن أسباب ما رأيته من ظلم وفقر وذل ألسنا نعيش اليوم أكثر مراحل تاريخنا بؤسا وتخلفا وظلاما وقهرا، بسبب تكالب الخارج والداخل علينا، أليس اليوم هو يوم اللصوص والدجل وبيع الكلام على السذج أليس اليوم هو يوم العملاء سافرين بدون حياء.. أليس اليوم يحكمنا الأمي والدجال.لهذا خرجت للمظاهرات انا ورفاقي وبعدها لحقت بي  روحي فخرجت لرب السماء لتشتكي له وطنا يملك الخيرات ويعيش فيه المواطن  بلا كهرباء وبلا ماء وبلا دولة، أخبارنا طقس ماطر أغرق الوطن ومسلسلات من الاغتيلات والقتل والتهجير والضحك على الذقون أنا عرفت شهداء وشجوناً وأحزاناً وشجعاناً يُغتالون. أنا رأيت صورتي وصور رفاقي معلقة على جبل احد قبل ان اموت ..

منذ ولادتي سنة ٢٠٠٣ ولحد يوم مماتي في ٢٦/اكتوبر٢٠١٩ ... وانا ارى شواذ تلك الحكومات المتتالية منذ السقوط اي يوم ولادتي وحتى قيام ثورة تشرين .بحثت لعلني أجد العلة فأكون سببا في شفائها لكن وجدتها سرطانا ينخر عظامه، خلايا خبيثة تنتشر هنا و هناك  وجدت أن حب الوطن الذي يدعون غيرُ ما يفعلون  ... وجدت أن الوطن بالنسبة لهم هو الذات أحبوا أنفسهم وأحبوا في الوطن مصالحهم أحبوا الريع و التسيب، أحبوا الفساد والتملص، أحبوا اللا قانون، واحتموا به في ظل القانون . بات وطني اليوم  وديعة بين اشخاص ليست لديهم اي صلة انتماء له وأن اصحاب الارض امسوا  عبيدا لدى من نصبوا انفسهم مُلاكاً فمنهم من اقتطع لنفسه نصيبا و منهم من رضي بالفتات..

هل تذكر يا وطني قطرات العرق التي رويت بها ارصفتك ؟ وهل تذكر صدى صوتي يجلجل بين جنبات ميادينك الطاهرة 

 وانا طفل لم ابلغ  الست سنوات بعد اجلس كل يوم على ارصفة الشوارع وسط كرتون فارغ في عز وقت الظهيرة تحت أشعة شمس تجاوزت حرارتها الخمسين ابيع الماء البارد في فلينة وراسي يكاد يغلي ولا شيء يقيه حرقة الشمس..فقط لاعود للبيت مساءا وفي جيبي اربعة اوخمسة الف دينار كي اعين بها والدتي الارملة واخي الصغير وارى دموع والدتي ودعائها لي ودعائها على من تسبب لنا بهذا الحال أن يحترق هو ..كنت كل يوم اكبر فيه والحياة تاخذني ذات اليمين وذات الشمال ..

والدتي تلك الصور القادمة من أعماق الماضي البعيد حيث قرانا الطيبة وأهلنا الذين رحلوا والذين تباعدت بينا وبينهم المسافات وصار حلم لقائنا بهم بعيدا .. أما آن لها أن تغادرنا في أحلامنا ونذهب لها في الحقيقة .. 

كانت لدى والدتي ولدي أحلام كثيرة منها أن أدخل المدرسة كسائر الأطفال وأنجح وأدخل الكلية وألبس أحلى الملابس والألوان.ولم اعلم اني في وطن فقدت فيه جميع الالوان وتلاشت منه الوان القوس قزح وتوشحه اللون الاسود فقط

عملت  وكدحت ودرست في ان واحد ،وكبرت شيئا فشيئا فدرست التربية على المواطنة درست مفهوم الوطن الوطنية والمواطن تعرفت على مفهومي الحقوق والواجبات وتعرفت على محلي من الإعراب داخل هذا الوطن. كنت تلميذ شغوفا وشاطرا رغم فقر حالي لاني كنت من المتفوقين اكتشفت أشياء تهمني كشخص ذو كيان داخل وطن يكن له حبا لا مشروطا اكتشفت أن الوطن هو ذلك المكان الذي ولد به الإنسان فيشعر به الفرد بالانتماء والولاء وهو الحاضن الدائم لهذا الفرد كبرت فتساءلت عن مفهوم المواطنة والتي ترتبط بشكل مباشر بحق الفرد في الإقامة والعمل والمشاركة السياسية بحقه في العيش بكرامة تعرفت على العلاقة بين المواطن والوطن والمواطنة تعرفت إلى أنه لا وطن دون مواطنة ولا مواطن إلا بمشاركته في شؤون وطنه وان الدين لله والوطن للجميع 

في وطني بؤس يصفع وجوه الملايين، وقهر استوطن صدورا لطالما افتخرت بحب التراب ، ووجوه غائرة في الحظ التعيس ، والعراقي يبحث عن حلمه ، ولا يجد إلا السراب ، وشعب طيب حرموه حق العيش الكريم ، واثناء عملي والذي طورته واصبح لي بصطية في منطقة الشورجة ارى كل يوم تعاسة الشعب العراقي الذين  يضربون كفا بكف ، ويغمضون على الجرح، ويتجرعون المرارة على سنوات الخداع السياسي، وإضاعة الحلم الوطني.

كنت كل يوم اذهب مبكرا قبل الجميع  الى المدرسة حتى اقف دقيقة صمت  في حضرت علم وطني كل صباح وهو يرفرف فوق البناية  واجلس قرب حارس مدرستنا ابو مصطفى رجل اربعيني فيكرمني بكوب شاي عراقي مهيل يصنعه بنفسه على الحطب ذات مرة سالني بني لماذا تاتي للمدرسة مبكرا الشتاء على الابواب والبرد لايرحم وانت تجلس هنا نصف ساعة قبل الدوام فاجيبه والله ياعمي لقد تعودت كل يوم اتِ مبكرا فقط لارى رفرفت علم وطني صباحا بصمت وهدوء فاقف اجلال واكراما له ..فضحك بسخرية وقال اي علم والوطن منهوب والسيادة للعملاء والدخلاء .

ما أتعس الذين فقدوا فلذات أكبادهم في حروب خالوها وطنية، بينما كانت في الواقع من أجل الحفاظ على تجار الوطن ومصالحهم. فقط انظروا لحال الذين خسروا ابنائهم واحبائهم وفلذات اكبادهم من اجل حروب هم من صنعها 

اتعلم ابني امير ..

من الغباء أن أُدافع عن وطنٍ لا أملك فيه بيتاً

من الغباء أن أُضحي بنفسي ليعيش أطفالي من بعدي مُشردين

من الغباء أن تُثكل أُمي بفقدي وهي لاتعلم لماذا مُت

من العار أن أترك زوجتي فريسة لللاب من بعدي

الوطن حيث تتوفر لي مُقومات الحياة  لا مسببات الموت

الإنتماء ذبة إخترعها الساسة لنموت من أجلهم

لا اؤمن بالموت من أجل الوطن

الوطن لا يخسر ابداً .. نحنُ هم الخاسرون ..

أدركت أني وإن عملت لصالح وطني، فإنما سأعمل لصالح أفراد.. إن ضرائبي تُوَجَّه لتغطية اختلاسات مسؤول، أو دفع فواتير ارصدة مكالماته   .. أدركت أني إن سامحت فسأزيد الظالمين بطشا وإن شئت تطبيق القانون فسيبطش بي الظالمون ... وجدت اني حُرٌّ ما دمت لا أُقْلِق راحة اصحاب الوطن و أن حريتي مُقيَّدة بالسكوت عن ظلمهم و جبروتهم.

اسمع الحقيقة ياامير ..هناك مقولة سمعتها من فيلسوف لا اذكر اسمه وقد اعجبتني يقول :عندما يبتلى الوطن بالحرب ينادون للفقراء ليدافعوا عنه وعندما تنتهي الحرب  ينادون الاغنياء ليتقاسموا الغنائم ، عليك ان تفهم انه في وطني تمتلئ صدور الابطال بالرصاص  تمتلىء بطون الخونة بالاموال ويموت من لا يستحق الموت على يد من لا يستحق الحياة..عجبت لشباب بعمر الورد يخرجون للمظاهرات واكفانهم بيدهم ويرددون نموت كي يحيا الوطن ..

يحيا لمن؟

لابن زنى، يهتكه .. ثم يقاضيه الثمن..

يحيا لمن 

لمن يزرعون الطائفية ويشعلون الفتن 

يحيا لمن 

لمن يسقرقون ويقتلون

ويطلبون الغفران من عند الوثن..

تف على هذا الوطن 

من بعدنا يبقى التراب والعفن 

نحن الوطن 

إن لم يكن بنا كريماً آمناً

ولم يكن محترماً

ولم يكن حُراً

فلا عشنا.. ولا عاش الوطن..

فنهضت وانا حزين جدا لما سمعت لقد كافحت وعانيت وذللت من اجل ان اوفر لقمة شريفة لوالدتي واخي هل والدتي التي علمتني ان حب الوطن من الايمان  

أمي علمتني أن الثورة فن التحدي وقتل الخوف والتمرد على الظلم، لا تكن جباناً فالرعب يقتل ورعشات الفزع تًُؤْلم أكثر من الرصاص، لابد أن تدوس على الأوجاع لتستمع بالراحة، فقد جئت الدنيا باكياً واستقبلتك بدموع وجعي، وأرضعتك الثورة ولن أفطمك من حب الوطن، أنا أحميك لتحمي وطني..

ومنذ اطلالتي على الدنيا وانا اترعرع على حب مقرونا بحليب امي الطاهر ، ويوما بعد يوم يكبر حلمي الذي ربتني عليه والدتي بان اصبح ضابط في الجيش العراقي البطل ، كيف لا وما فتئت امي تساهرني قائلة انها تواقة جدا  لتكتحل عينيها برؤية بدلتي العسكرية ، ولتفاخر بي بين نساء العشيرة ولتدرك طهارة وطهر حليبها ولترفع راسها بي   

واسفي عليك يابا مصطفى اتكون معذورا حقا على هذا الكلام .

غابت الضمائر الحية وكل شخص يسترزق  من آلام وآمال  ودماء الآخرين ..رن جرس المدرسة وكانت الحصة الاولى لمادة اللغة العربية كان المرس يشرح وانا مازال تفكيري بكلام ابو مصطفى والله غثني جدا ..وقبل نهاية الدوام بساعتين حدثت كركبة في المدرسة وخرج معاون المدير ليغلق باب المدرسة الرئسي علمنا بعد ذلك ان هناك مظاهرات قرب حديقة الامة والمؤدية الى ساحة التحرير كانت مدرستنا قريبة من شارع الجمهورية  وعمت الفوضى المكان لينزل مجموعة من الطلاب ويفتحوا باب المدرسة عنوة ويخرجوا الى الشارع ويرددون بروح بالدم نفديك ياعراق ولينصموا الى مجاميع المتظاهرين ..وقفت مذهولا من عظمة المنظر وان قدمي مرة  داخل المدرسة ومرة خارجها لاقفز ودون تردد خارج سور المدرس  بعد ان قام المدير بغلق باب المدرسة وانظم لرفاقي المتظاهرين لا اعلم اخذ اي اتجاه فاغمضت عيني ثواني واخذت اتجاها مع بقية طلاب مدرستي وباعلى  صوتي صرخت بروح بالدم نفديك ياعراق فكان شيئا باردا نزل على صدري وزلزل روحي وكياني كان الصرخة كأنت مخبئة لسنوات داخل انفاسي فخرجت تلقائية لا ارادية ..وايقنت بعدها ان شمعة الثورة أُقدت 

وانطلقت الجماهير الغاضبة لتقول كلمتها في محاسبة السلطة بعد إن أصبح وعي الشباب بمستوى تحمل مسؤولياته التاريخية بحق شعبهم الذي ذاق أبشع الماسي والويلات من خلال تسلط هذه الزمر العميلة على مقاليد السلطة في (العراق) منذ 2003 والى يومنا هذا؛ فجوعوا الشعب وأذلوه وخدعوه بديمقراطية زائفة وبالاستقطاب ديني وطائفي مقيت ليضيعوا كل القيم الشريفة بضياع الوطن .وبدأت ساعة الصفر للثورة والتي 

قادها جيل من الشباب الوطنيين الذين خرجوا من رحم المعاناة ، شعب عاش الويلات بسبب طبقة سياسية وأحزاب فاسدة صادرت الحقوق ونهبت خيرات البلاد، فكانت الثورة السلمية الخيار الشعبي لتصحيح العملية السياسية وإعادة هيبةالوطن وانهاء  التدخلات الخارجية، التي ضحت من أجلها دماءٌ طاهرة لشهداء وجرحى من أبناء هذا الوطن.

وخلال الاحتجاجات وقعت اشتباكات دموية بين المتظاهرين والقوات الأمنية فسقط العديد من الشهداء والجرحى  من الطرفين.. كيف ياالهي الجندي والثائر وجها لوجه حامي الارض والعرض 

تمركزت القوات الأمنية خلف مصدات في جسر الجمهورية، وتواصل قصف المتظاهرين من خلف الجدران الكونكريتية دون هدف واضح، 

بعدها انا وزملائي قمنا بحرق العلم الايراني مع حناجر تردد ايران برة ررة قوات الشغب هذه قادمة لقد استعملت ضد المتظاهرين العزل صنف القناصة بالرصاص الحي والقنابل الدخانية ..بقينا حتى المساء ذهبت  انا وبعض من زملائي لمجموعة قد جاءت متبرعة بالماء والطعام لدى المتظاهرين 

فاخذت حصتي من الطعام والماء وذهبت في ركن قريب لااتناول طعامي وارتاح قليلا واذا بصوت صديق لي يناديني 

امير ..امير  قلت مابك قال تعال والدتك هنا بين المتظاهرين تبحث عنك وهي قلقة جدا ركضت بسرعة واذا من بعيد ارى والدتي وكان قد جن جنونها وهي تسال واحدا واحدا هل رايتم ابني امير وصورتي في يدها ناديتها امي وذهبت بأتجاهها فأحتضنتني بقوة وهي تجهش بالبكاء امير  ولدي اين كنت اتصلت بك مئة مرة ولم ترد بعدها تذكرت اني عندما ادخل حصة المدرسة اضع موبايلي على الصامت ونسيت ان اعيده للرنة بسبب انشغالي بالمظاهرات قلت لوالدتي وانا الحزن يقتلني اسف امي اعتذر والله لم اكن اقصد اخافتك نسيت موبايلي منذ الصباح على الصامت قالت: لاباس بني المهم انك بخير تعال نذهب للبيت قلت امي دعيني مع زملائي اعود لاحقا قالت لا بني الوقت متاخر واخاك وحده في البيت وانا ان عدت وحدي لا انام ساكون قلقة عليك عد مع زملائك في الصباح الباكر..

مشينا انا ووالدتي كي نصل لشارع مفتوح لناخذ تكسي من هناك  توصلنا لبيتنا الكائن في حي الشعب فشارع الجهورية قد اغلق امام المركبات فترجلنا انا ووالدتي واخذنا طريقا مستقيما يودي الى شارع مفتوح  ونحن نمشي واذا بتك تك  وقف بجانبنا يقودة شاب بعمري تقريبا فسإلنا مبتسما الى اي مكان انتم ذاهبون فقلت الى نهاية الشارع فقال تفضلوا اركبوا قالت والدتي شكرا لك بني المسافة قربت على نهايتها فقال الشكر لله خالة ارجوا ان تركبوا كي اوصلكم ركبنا انا ووالدتي نظر لي سائق التكتك وقال لي ..انت طالب بعد ان راى الكتب في يدي فقلت :نعم وقال جئت للتظاهر مع اخوتك قلت نعم فادار وجهه لوالدتي وقال بارك الله لك فيه ياخاله فقالت والدتي ربي يحفظكم جميعا ياولادي بعدها قال اين بيتكم؟ اجبت.. في منطقة الشعب لكن انت انزلنا عند نهاية الشارع كي ناخذ تكسي التفت لي قالا يااخي والله عيب عليك ان تقول لي هذا سوف اوصلكم للبيت وانا المننون فقالت والدتي بني لانريد ان نشغلك ونسوي زحمة عليك اجاب: اي زحمة وهؤلاء الشباب هم رفعة رأسنا ونحن مقابل الذي يقدموه من تضحيات لايضاهي نقطة في بحر 

فقلت له اخي هذا واجبنا تجاه وطننا وانتم لم تقصروا ايضا 

فسائقوا التكتك انتشروا  كالنار في الهشيم في بغداد وتحديدا ساحة التحرير خلال الأيام الماضية من التظاهرات، حتى بات رفاق ساحة التحرير الدائم، لا بل كل الساحات المنتفضة في العراق.

 كانوا يجيبون  شوارع التظاهرات وينقلون المؤن  والأغذية إلى المتظاهرين ونقل العاجزين عن المشي في الشوارع الخالية من سيارات المُسعفين التي تغيب عادة وقت الأزمات، ولكثرة الحشود التي تعيق حركتها.

وان أغلب الجرحى في مستشفيات العاصمة بغداد، تم نقلهم عبر عربات التوك توك، لكون سيارات الإسعاف التابعة لوزارة الصحة، لا تملكُ نظاماً عملياً، بل هي جزء من مشكلات وزارة الصحة التي لا تتعاطى مع المصابين، وإن تعاطت تتعاطى معهم سلبياً، أي دون رعاية أو اهتمام طبي جاد ان المتظاهرين فخورون بسائقي هذه العربات، إذ إن الكثير من متظاهري التحرير يطلق على التظاهرات الحالية بـثورة التوك توك..

ان الكثير منا مدينون لهؤلاء الشباب اليافعين، شباب فقير الحال، لكنه غني الضمير والوعي الوطني، وذلك تجلى واقعاً عبر فعالياتهم الإنسانية والوطنية المشهودة لهم من قبل الجميع وتعاطفنا معهم زاد لكونهم يرفضون أخذ المال لدى نقلهم المتظاهرين بعرباتهم، علماً أنهم يحتاجون إليه لحالتهم الفقيرة المزرية

وصلنا منطقة الشعب واقتربنا من البيت شكرت والدتي سائق التك تك وقالت: وهي تنزل من عربته الله ييسر اموركم ويزقكم ياابني فادخلت يدي في جيبي كي اعطيه كروته امسك يدي قائلا دعها لي هذه المرة فحلفت عليه فقال: لاتحلف ارجوك اوعدك المرة القادمة ساخذ كروتي منك فشكرته فرد قائلا انا بالخدمة بعدها مشيت خطوتين واذا به يقول انا اسمي( علي لنك)  ان احتجتني في ساحة التحرير اسال عني جماعة التك تك فرفعت يدي للتاكيد والسلام ....

دخلت البيت واذا والدتي تقوا بني حضرت لك الحمام ادخل استحم وغير ملابسك حتى احضر لك بعض الطعام فأجبتها لست بجائع ياامي سوف استحم وانام وانت اذهبي نامي الاعياء والتعب ظاهر عليك اسف امي لاني جعلتك قلقة وعيشتك الخوف اليوم قالت لاباس بني مرة اخرى لاتكررها ابقى موبايلك مفتوح كي يطمأن قلبي لسماع صوتك ..

استحميت بعدها ذهبت للنوم وانا متشوق لطلوع النهار كي التحق برفاقي في ساحة التحرير استيقظت في الساعة السابعة غسلت وجهي وغيرت ملابسي خرجت من الغرفة واذا بوالدتي قد هيأت الفطار واخي جالس قلت لماذا انت صاحي  يامحمد مبكرا اجاب :لاذهب للمدرسة قلت له ابشرك ماكو مدرسة وانا اعلم كم يكره المدرسة اخي محمد طالب في ابصف الاول متوسط  فصرخ من الفرح اليوم العب طوبة مع اصدقائي فقال والدتي لماذا بني لايوجد دوام لما العطلة اجبتها لقد اغلقت المدارس بامر الثوار وشعارهم ماكو وطن ماكو دوام فقالت امير بني  هذا قرار اعتقد غير صحيح اطفالنا بحاجة للعلم والمعرفة قلت لها امي وايضانحن  بحاجة لوطن هي بضعة ايام لترهيب الدولة لاغير لان مشاركة الطلاب في المظاهرات امر ضروري فهم الطبقة المتعلمة الواعية والمثقفة ..

وانا متوجه ناحية الباب للخروج واذا بوالدتي تناديني وبيدها كيس كبير وتقول بني هذا خبز حار خبزته فجر اليوم خذه لرفاقك يفطرون به فاخذت يده وقبلتها وقلت لما تتعبت حالك ياامي بهذه الكمية الكبيرة من تلخبز فقالت بني دعني اشارك ولو بشيء بسيط في ثورتكم هذه اخذت الكيس وخرجت وذهبت لمكان توقف الباصات اكي انةظر باص ياخذني واذا بابن جارنا حمزة وهو يسوق ماطوره كالعادة وقف امامي وقال اركب كي اوصلك قلت طريقي غي  طريقك قال كيف الست ذاهب لساحة التحرير استغربت قلت كيف عرفت قال رايتك البارحة في المظاهرات ناديتك ولم تسمعني قلت باستغراب  اكنت هناك قالن انا هناك منذ اول يوم للثورة تعجبت والله حمزة ذالك الشاب الشقي المشاغب

يكون مع المتظاهرين صحيح الوطنية عطاء وانتماء والكريم الأصيل الشريف في أي مكان و ميدان لا يمكن أبدًا أن يتخلى عن واجبه الوطني..

 ركبت معه وانا احمل حزمة الخبز التي اعطتني اياها والدتي وصلنا ساحة  التحرير ،واذا بها تغص الآن بآلاف المحتجين منهم من كان بائت في خيم الاعتصام ومنهم من حضر منذ الصباح الباكر ومازالت توافد آلاف العراقيين مستمر  وهم يهتفون بشعارات تطالب بإسقاط الحكومة وحل البرلمان وتعديل الدستور وسط  إطلاق نار من قبل القوى الامنية في محاولة لتفريق الحشود، وسقوط عددا من الجرحى. هناك من القوات الامنية متعاونون مع المتظاهرين لابقاء  الامور ضمن قواعد التعبير السلمي. بعدها وعند منتصف النهار قامت قوات الشغب باستعمال الغاز المسيل للدموع في محاولة لتفريقها. واتخذت منذ الفجر القوى بعض التدابير إذ قطعت اتجاهات المرور في عدد من الجسور التي تربط بين قسمي المدينة الكرخ والرصافة.

وعند حلول المساء اشتدت المظاهرات مع اصابة العديد من المتظاهرين بالقنابل الدخانية التي تلقيها علينا مكافحة الشغب 

لقد رايت منظرا مروعا احدى القنابل اصابت رجلاً في وسطه وقد احرقت  ومزّقت  ملابسه... القنبلة جاءت من حوالي 150-200 متر. لقد هوى في مكانه وسحبناه إلى عربة التوك توك. وجاءت القنبلة أفقياً. رأيت رجلاً آخر ... أصيب في الكتف. لم أر لحظة الارتطام لكنه كان يصرخ بشدة ياالهي ماهذا الظلم صرخت بقوة وقلت انها سلمية والله سلمية واذا بشي بارد يدخل راسي وضباب كثيف غدا امام عيني واصوات واشخاص تهرع نحوي مالذي حدث اسمع صوت زميلي يقول خذوه بسرعة اسعاف اسعاف لقد اصيب بالدخانية في راسه لم اقدر عل  الحركة ولا الكلام قط انظر واسمع رفاقي وهم يحملونني من الى التك تك واذا شخص يقترب مني ويقول ستكون بخير لقد وعدتك ان اخذ منك اجرة في المرة القادمة لاتخذلني انا( علي ) الذي اوصلك ليلة الباىحة مع والدتك تحمل ستكون بخير وبينما انا مستلقي في التك تك وزملائي اثنين معي اعيد شريط حياتي امام عيني لم اهتم للموت بقدر اهتمامي لمن سيحمل مسؤلية اخي ووالدتي من بعدي لم احنل هم اصابتي ولم اكن اشعر بها بقدر حمل هم امي كيف سيكون حالها اذا مت وصلنا المشفى وتسارع المل لحملي وانا انظر لسماء بغداد كم كانت صافية في ذلك اليوم النجوم كانها حبات لؤلؤ والقمر كانه يبتسم لي وكانه يقول أنت ابن بغداد ابن ازقتها وشوارعها ساحتها وابن عزتها انتم اصل الانتماء وانتم لبغداد رتبتها وقتها ايقنت اني سوف أوي لتربتها 

ادمعت عيني كانه لاني سأفارق بغداد طعمها ونكهتنها بغداد ياجنة الدنيا وزهرتها 

اضمحل نور مصابيح المستشفى في عيني وانا مستلقي على السدية والاطباء من حولي ومازلت التقط انفاسي الاخيرة واذا ايمع رن موبايلي في جيب بنطالي لم يتوقف عن الرن تناوال علي الموبايل ولم يكمل كلمة الووو الا وغرقت عيناه بالبكاء واغلق الهاتف دون نطق اي كلمة فالتف لزملائي وقال انها والدة امير تقول هل امير بخير قلبي يوغزني منذ ساعة عليه ..ااه ويحي اماه ماذا فعلت بك ..

أمّاه صبرا اماه عذرا 

لقلبك  لدمعك

فلطالما غمست بحنانك خبزتي

وكنت اما لي ولرفاقي  وصحبتي

وعلى أرصفة الشوارع كانت دعواتك تلازمني

 وعلى ليلي المتعب كنت وسادتي 

امي عذرا على الالم  

فأي ضماد يستوقف نزف حرقتي

أماه لا تحزني

فالموت خير من ذل غصت به مهجتي

وقبول الذل ليس من عادتي

امي هل وصلتلك رسالتي

عبر السحاب والسماء ونجمتي

أنا ذاك النجم المتلألىء

في سماء بغداد 

وجذور دمائي سماد نخلتي 

وبئر روحي يروي تربتي

لست شريدا لست وحيدا

معي من شهداء الثورة اخوتي 

أمي 

لست ذكرى يغطيها النسيان 

إنما مستقبل ربما يوما يوقظ امتي ..

بعدها انطفأ النور في عيني واختفت الصور والاصوات 

لأعزائي وأحبائي أنا لم أمت.. أنا اخترت الرحيل كي أعيش حياً في تاريخ وطني.. أنا حي في التاريخ  واسمي مخلد بين أسماء شهداء العراق .

من قال إني ميت ، إن عروقي على جذع كل نخلة تنبت رطباً ، وسيُردد إسمي صبية المدارس ، أما أنت يامن تلطخت يداك بدمي وحرمت امي مني  فستخجل منك إبنتك فتخفي إسمك وتقول لمعلمتها أنا إبنة العراق فقط لا أب لي غيره وعندها سيكون مخزوني من الحياة غير نافذ ومخزونك قد إنتهى ، ستدور بين بارات العرق الليلية لكي تنسى ولن تنسى ، فوجهي سيبقى محفوراً في ذاكرتك ليوقظ جذورك النائمة ، وستبقى مستيقظاً ولو كان ما شربته من ماء دجلة هو قطرة واحدة انت اخترت العيش بالذل وانا اخترت أن أشرف اسم والدي الذي استشهد في تفجير وهو يسعى للقمة عيشنا واخترت أن أجعلك يا أمي من نساء أهل الجنة واخترت أن أكون شفيعاً بشهادتي لكم يا أهلي، فالشهيد كما قال رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام يشفع في سبعين إنساناً من أقاربه.. يا أحبائي رحلت عنكم وقد لا تذكروني.. ستمضي بكم السنون وقد تغفلون ملامح صوتي ووجهي لكنني حي بينكم.. اسمي سيظل مرافقاً لكم كما روحي يزيدكم شرفاً وعزة فأنا شهيد الوطن..  اخترت أن يزهى الوطن بدمي ويستمر.. كي يعيش وطني وتتزين به صفحات التاريخ لابد أن نقدم دماءنا فداه.. أرواحنا التي دفعناها لأجل أن يبقى وطني شامخا..

آه يا وطني. يكفيني فخرا أني سقيت ترابك بدمي. لست أول شهيد ولن أكون آخرهم، قافلة طويلة من أبنائك  ينتظرون ان يقدموا أرواحهم قربانا لك، فمسيرة الحرية والكرامة طويلة وثمنها غال، فلا تضعف ولا تستكن. أما الطغاة الذي لوثوا جبينك، فنهايتهم قريبة بإذن واحد أحد.وطني.. لن ينتصر السيف على الدم البريء مهما طال الظلم، فكل قطرة دم سقت ترابك ستنبت مكانها ورودا  تزين وجه الحرية.

وقد نصبح ثوار متمردين ناقمين على المجتمع، وقد نحلم بأن نغادر يوما لننعم بالاحترام والاستقلالية.

إرسال تعليق

0 تعليقات