العلاقات العراقية السورية وأبعادها السياسية ..

مشاهدات



بقلم / ابراهيم الدهش


تمتد العلاقة العراقية السورية إلى جذور عميقة وتاريخية منذ ظهور الإسلام والى يومنا ورغم هذه الاصرة المتينة التي تربط البلدين فقط تخللتها  بعض الخلافات السياسية ولكنها لم تؤثر على العلاقة ما بين الشعبين العراقي والسوري ، وهذه العلاقة امتدت حتى أوائل القرن العشرين وهي مبنية وفق أسس ومفاهيم مرضية للطرفين ، فقد أصبح البلدان جزء من الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى حيث دخلت سوريا حرباً ضد الحلفاء  إلى جانب ألمانيا ، كما وقع العراق الذي يضم ولاية (( بغداد و البصرة و الموصل )) في قبضة الانتداب البريطاني في حين سيطرت على سوريا قوات الثورة العربية القادمة من الحجاز بقيادة الأمير فيصل بن الشريف حسين الذي أُعلن ملكا على سوريا , واستمر هذا التوافق المشوب بالحذر الى عام 1920 حيث وقعت أحداث عديدة ، أبرزها مؤتمر سان ريمو بإيطاليا الذي أثر على نضج العلاقات ما بين البلدين إضافة إلى فرض الانتداب الفرنسي على سوريا و البريطاني على العراق . وفي هذه الفترة عام 1920اندلعت الثورة العراقية الكبرى والمعروفة بثورة العشرين في محاولة لتحرير العراق من الاحتلال البريطاني وكانت الاهزوجة الشهيرة التي تغنى بها العراقيون الى يومنا هذا ( الطوب احسن لو مگواري ) دلالة على ان المگوار الذي يحمل في اليد والمصنوع من الخشب ذا رأس من القير  افضل من الطوب (المدفع) البريطاني ، وفي تموز من العام نفسه 1920 أسقط الحكم الملكي في سوريا على اثر  معركة ميسلون الشهيرة التي انتهت باحتلال الفرنسيين لدمشق. 

ومنذ ذلك الحين وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية لم تشهد العلاقات بين البلدين أية تطورات مهمة فكلتا الدولتين خضعت لنظام الانتداب الذي يمنع الدول من إقامة علاقات سياسية أو دبلوماسية إلا بموافقة الدولة المنتدبة ولذلك اقتصرت العلاقات بين العراق وسوريا على العلاقات التجارية فقط . أُعلن استقلال سوريا ولبنان عام 1943 وقد بذل العراق بوصفه دولة مؤسسة في الأمم المتحدة جهوداً جبارة لأجل الاعتراف الدولي بسوريا و لبنان وإدخالهما في عضوية الأمم المتحدة . ولم يتوقف التصعيد حتى أواخر الأربعينات حيث وقعت سلسلة من الانقلابات العسكرية في 

سوريا كان بعضها يدعو إلى ضم سوريا إلى العراق كحل لأزمة عدم الاستقرار السياسي .

وفي عام 1958 أُقيمت الوحدة بين مصر سوريا وقد رفضت الحكومة العراقية والتي تدار بحكم ملكي هذه الوحدة مما حدث شرخاً ما بين العلاقات السورية العراقية وحالة من التوتر والمؤامرات استمرت حتى سقوط النظام الملكي في ثورة تموز 1958 حيث ابرمت الوحدة بين العراق والجمهورية العربية المتحدة مصر وسوريا كان أحد اهداف ثورة العراق إلا أن هذا لم يحدث بل دخل البلدان في حالة من العداء والهجمات الإعلامية استمرت حتى بعد انفصال سوريا عن مصر عام 1961. وتوالت الأحداث حتى عام 1963 حيث لاحت فرصة أخرى للوحدة بين مصر وسوريا والعراق خاصة بعد أحداث ثورة 8 شباط و 8 آذار 1963 في كل من العراق وسوريا وفي مصر أعلن ميثاق 17 نيسان للوحدة بين البلدان الثلاثة ولكن الميثاق لم يطبّق نتيجة لرفض مصر للوحدة الفورية بعد تجربة عبد الناصر في وحدة عام 1958 مع سوريا واستمرت احداث 1963 وفي سوريا في شباط 1966 و 1968 وعام 1970 بين المد و الجزر ولم يتحد البلدان وأصبح شبه عداء ما بين الطرفين وخاصة بين أجنحة الحزب الحاكم السوري والعراقي حيث اعتبر كل منهما نفسه الممثل الحقيقي للحزب الحاكم واعتبر الطرف الآخر بمثابة انشقاق عن المبادئ الأساسية للحزب وأُقيمت قيادة قومية في كلا البلدين اعتبرت نفسها بمثابة القيادة الشرعية ، ولم يكن هذا الخلاف خلافاً ايدلوجياً وانما كان خلاف على تبني القيادة والمسؤولية الاولى للحزب ، مما أثر تأثيرا مباشراً على العلاقة ما بين البلدين ورغم هذه الخلافات والتوترات فإنها وكما أسلفت لم تؤثر على العلاقة ما بين الشعبين ( السوري والعراقي ) وخاصة العلاقة ما بين المدن الحدودية سوريا و العراق وخاصة  مدينة ال بوكمال التابعة إلى محافظة دير الزور  السورية و حصيبة ( القائم ) التابعة إلى محافظة الانبار العراقية ومناطق أخرى حدودية حيث كان التصاهر ما بين قبائل البلدين وأبناء المدن المتجاورة والبعض منهم ضمن قبيلة واحدة ولكن ضمن الدولتين المتجاورتين !! إضافة إلى التجارة المستمرة في البيع والشراء , كما اشترك الجيش العراقي على الجبهتين المصرية والسورية في حرب اكتوبر 1973 . وقدم العديد من الشهداء ومن ضمنهم النقيب الطيار الخفاجي والنقيب متعب من محافظة ذي قار/ الناصرية ، اللذان شاركا في الجولان , وفي عام 1978 كان من المقرر أن تكون وحدة ما بين الطرفين ولكن للأسف حدث اختلاف في ذلك اثر كشف مؤمراة لإسقاط الحكومة العراقية في حسابات أن التخطيط مدبر من الحكومة السورية!! وهذا الحدث أسدل الستار عن العلاقات ما بين سوريا و العراق ، وبعد اندلاع الحرب العراقية الإيرانية اتخذت سوريا ومعها

ليبيا موقفاً رافضاً وغير مؤيدا لتلك الحرب . وبعد احتلال العراق للكويت انضمت سوريا إلى التحالف الدولي لإخراج القوات العراقية من الكويت . ونتيجة للمصلحة المشتركة للطرفين السوري والعراقي في التقارب فقد حدث نوع من التقارب ما بين الطرفين حيث جسّدتها زيارات متبادلة  من قبل قيادة حكومة البلدين مما أسفرت إلى توقيع اتفاقات للتعاون الاقتصادي المشترك ومن ضمنها  اتفاق لإعادة ضخ النفط عبر الأراضي السورية الذي توقّف عام 1982 .

وبعد الاحتلال الاميركي للعراق دخلت العلاقات العراقية السورية في مأزق جديد فقد شعرت سوريا بقلق لوجود القوات الأميركية في العراق بحكم أنها جارة لدولة العراق وتربطها روابط عربية مشتركة إضافة إلى أن الاحتلال الامريكي ينافي مبادئ وقيم الحكومة السورية ، وعلى ذلك فتحت أبوابها لكل عراقي مهاجر أو من يلوذ في أحضانها ، والى يومنا هذا فإن العلاقات ما بين الطرفين هي علاقات حميمة وتواصل مستمر ما بين الشعبين العراقي والسوري.

إرسال تعليق

0 تعليقات