قراءة في قصة (الاختطاف) - للقاص العراقي/ محمد خضير.

مشاهدات



قراءة/ د. وليد جاسم الزبيدي- العراق


المقدمة


  مع كل حدثٍ تاريخي، في شعوب وأمم العالم ، تتكشّفُ فنونٌ وطاقاتٌ تواكبُ وتترجمُ ما يحدثُ على الأرض، أو مخيال الثوّار، فتولدُ أصنافُ وأغراض من الأدب والفن، توسمُ بتلك الحقبة، أو يضعها النقّادُ والمؤرخون ضمن خانة عصرٍ وعهدٍ.

  والمتابعُ لتوجّهات وكتابات القاص العراقي(محمد خضير) في ببلوغرافيا نشاطه وما ينشر، فكانت متابعتي له في قصّته (الصحفي) التي ذيّلها بتاريخ (كانون الثاني 20200)، والمنشورة في جريدة (المدى) العدد 4569 الأحد26 كانون الثاني 2020م؛ ثم جاءتْ بعدها قصة (البُرج) المنشورة في جريدة (المدى) بتاريخ 3/3/ 2020م؛ وتشرقُ علينا قصتهُ التي تتبعُ (الصحفي، والبرج) ثالثة ثلاث لتكمل صورةً ولوحةً أراد القاص إتمامها، حيث وجد في القصتين السابقتين حلقةً مفقودة فأراد إكمالها بهذه القصة الثالثة الموسومة( الإختطاف)،المنشورة في جريدة (المدى) العدد 4777 الصادر يوم الخميس الموافق 24/أيلول/2020م، يؤسسُ القاص (محمد خضير لنفسه وتاريخه أولا مساراً وإسلوباً إذا لم نقلْ مدرسةً في (أدب تشرين)، تشرين انتفاضة الشباب والوعي العراقي المطالب بشعار (نريدُ وطن).  

     وكأني بالكاتب في نشره قصة (الاختطاف) في نهاية شهر أيلول يريدُ أن يخبرنا أن تشرين على الأبواب، ويقرعُ الناقوس، وليكمل تاريخية ومنهجية قصصه التي بدأها مع قيام (تشرين).     

عتبة النّص/ عنوان القصة (الإختطاف)، فكلمة (خَ،طَ،فَ) الثلاثية، تضعها القواميس والمعاجم العربية بمعنى،(أخذُ الشيء بسرعة)، فنقول(خطفَ الحقيبةَ)، و(خطفَ الأضواء)، و(خطفَ السمعَ): استرقَهُ، و(خطفَ الشخص: أي أخذهُ قسراً، محتجزاً إيّاه في مكان ما، طمعاً في فديةٍ أو ابتغاء أمرٍ ما. وكما ورد في التنزيل((ويتخطّفُ الناسُ من حولهم))[ كما وردَ في معجم الوسيط:1/ 244-245]. 

     عتبةُ النّص، جاءتْ مجاراةً للواقع المعاش منذ انطلاق (الاحتجاج)، في حملات واسعة بعد القنّاصة، والفرقة السوداء، أصبح (الإختطافُ) ظاهرةً في المجتمع، ولهُ مريدوه، وسدنته، وله خرائط طريق متنوّعة ومتعددة، وقد شمِلَ كلّ ناشطةٍ وناشط، ضمن جدول وموعدٍ محدّد . وللكاتب (محمّد خضير) تجربةٌ سابقة في الكتابة عن (الإختطاف) في عام 2008م، حيثُ كتبَ قصةً عن طفلٍ فلسطيني في قصة ( الطفل المخطوف).

محاور النّص/

آ- محور الصحافة: يشتغلُ الكاتبُ منذ قصّته (التشرينية) الأولى (الصحفي) على عقلية الصحفي وهمومه، لماذا الصحفي والصحافة؟ وما الذي ريد ايصاله للمتلقي؟ في خضم مخاضٍ عسيرٍ قاتل. لأنهُ أرادَ-الكاتب- أن يضعَ( الصحفي) المدوّن والراوي والشاهد على العصر، ولكل ما يُرتكبُ من جرائم، وما تُصنعُ من بطولات. 

    وبعد أن إشتغل على بطله (الصحفي) في قصته الأولى (من أدب تشرين) أرادَ الكاتبُ إكمال المشهد، حيث لا صحفي بدون (مصوّر) ، ولا خبر دون صورة، والتوثيق لايكتمل إلا بالإثنين، فكتبَ قصّتَهُ (الإختطاف) ليكون بطلها (مصوّر). 

في هذه القصة، تتلبسنا دلالات المصوّر، وإشاراته، بل نحسّ ونحن نقرأُ القصّةَ من اولها الى ختامها، نحنُ أمام عدسة الكاميرا، تلاحقنا، وتتابع الأحداث، لوحات فوتوغرافية على الجدران، أرشيف صور في علب كارتونية، كاميرا تظل يقظة مفتوحةً على رؤيةٍ غامضة، إستوديو تصوير، غرفة تحميض، وفلسفته( رجلٌ بلا كاميرا أعمى في بلاد العُميان). 

-محور الزمان:  تأخذُنا – الكاميرا- في رحلةٍ تُحدّدُ لنا صورةَ وهويّة صاحبها، فهي عينهُ، وفي ذات الوقت مرآته، تخدمُهُ تارةً وتشي عليه تارةً أخرى. (الكاميرا) تؤرشف لفترتين مهمتين، لاتخلطُ أوراقهما بقدر أنها تميّزُ بينهما، وتعطيك صورةً واضحةً لأبطالها، ومواقعهم وتاريخ اللقطات. لقطاتٌ وصورٌ فوتوغرافية يقيس بها البُعد ودرجة الإضاءة، منذُ منتصف ليلةِ الهجوم التدميري عام2003م، ودور (الكاميرا) التي صوّرتْ جحيم (بغداد) قبل اقتحامها، لوحاتٌ عولجتْ في استوديو محترف. ثم صورٌ لما حدثَ ويحدثُ عام 2019م. 

     ستوديو في الفن المقارن، بين أعتى هجومين مع فارق الأدوات والطريقة، صور فوتوغرافية للدمار بأشكاله بالأبيض والأسود، والألوان. وكأنّهُ يُشعرُنا بطريقة –الفلاش باك- الذي حدثَ أمس، وما يحدثُ اليوم..؟

- محور المكان: (الكاميرا) توضّحُ لنا صور الأمكنة، وهي تجوبُ الأوطان، والمدن، والحارات، بغداد عام 2003م، ثم الدانمارك، وهي مرحلة الهروب من الجحيم، والعمل مع منظمات انسانية، تهتم بالشأن العراقي، ليكونَ هوسُهُ الجسور، مراقبتها بعيون لا تنام، وكاميرا أكثر حداثةً ودقّة، تُظهرُ الأمور دون (فوتو شوب).

لماذا الجسور؟ هل هي فقط مهمة (رسمية) لوضع دراسات لترميمها بعدما دمرها العدوان العالمي الهمجي؟ كما وضعها (الكاتبُ) حُجّةً لعمل وتنقّل (المصوّر) في بغداد..!؟؟

لماذا الجسور؟؟ وماالذي تعنيه الجسور لبغداد؟؟ وكيف تربطُ بين طرفيها، (الكرخ) و(الرصافة)، رابطٌ وروابط اجتماعية، تجعل الصوب الأيمن يمنح الصوب الأيسر المحبة والسلام ورغيف الخبز، وماعون رمضان...لماذا تصوير الجسور؟؟ 

  لأنّ الجسورَ دِلالةٌ في تاريخ بغداد، منذ قيامها، كانتْ انطلاقة تظاهرات الطلبة، ووثبات شعب، والعبور للثورة، والجسور تاريخ يحكي قصص شهادة وبطولة، واتخذت أسماءَها من رجالها، (جسر الشهداء)، (جسر الأحرار)...ولكل جسرٍ قصّته إذا لم نقلْ قصصه، منذ زمن الخليفة (أبو جعفر المنصور)، ومنذُ بيت الشاعر (علي بن الجهم): (عيونُ المها بينَ الرّصافةِ والجسرِ....).

  هكذا يُمثّلُ (الجسر) روحاً وقلباً، لا مبنى فقط، أو كتل من الحديد أو الخرسانة، بل هو حياة، وشريان يوصل الحنين والأشواق والمحبة والخير، ووسيلة رابطة قوية في المجتمعات. لذلك حينما تُفكّر قوى الشّر في طريقة تفكيك مجتمع، أولى خططها وضرباتها الجسور، وكذلك الأنظمة البوليسية القمعية، تُفكّر بغلق الجسور، لأنها تمنع الخطر عنها.

  فكانت صور الجسور، في حالة البناء، وفي حالة الهدم، حاضرةً، مكانا وزماناً، وصورٌ في استوديو (القصّة) تُشير الى (مستشفى الرشاد- للأمراض العقلية)، وهي اطلالة للجانب النفسي للمجتمع وأرشفة للعقل الانساني، في اشارة الى أطروحة التخرّج (للمصوّر) كونه من طلبة (أكاديمية الفنون الجميلة).

ج_ محور لعبة الورق (الكوتشينة): في عملية فرز الأوراق وليس خلطها، كما فعلَ الكاتبُ بخبرته، في مسك خيوط القصة، في نسج الأحداث (ضمن محور الزمان) والتفريق في وضع الصور الفوتوغرافية ضمن أحداث 2003م، وما جرى عام 2019، في هذا المحور، تسلّطُ (الكاميرا) عيونها وذاكرة المتلقي الى (لُعبة الورق الأمريكية) في بداية الاحتلال حينما وضعت صورَ رجال نظام ماقبل 2003م، المطلوبين (للعدالة) الأمريكية، ووضع مبالغ كونية خرافية للمسك بهم، وكيف تلعبُ هذه (الأطراف الماسكة بخيوط اللعبة) بورق (الكوتشينة) فهي تضعُ صور وأسماء المطلوبين في أوراق لعبتها، ويضعُ (الكاتبُ) سؤالاً.. إذا كانت أمريكا وضعت (55) ورقةً فيها صور رموز النظام، فكم ورقةً تحتاج هذه (الأطراف) كي تُخرسَ شعب؟؟

الخاتمة/ استخدمَ القاص، الكاميرا، باعتبارها العين التي تسجل، كما يسجل القلم، أحداث الشعوب، وصاحبها، منْ يتحمل تبعات هذه الآلة- السلاح، الذي تمقته وتنزعجُ منه الجهات التي تظهرُ سوءاتها، وهي الشاهد لأحداث ماقبل وما بعد تشرين، كما وصوّر لنا (الكاتبُ) ، المصوّرَ، في مكان شبيه بالاستوديو، يضج بالصور الفوتوغرافية والصحف، وعيون الكاميرات، وصرير الباب، والظلام الذي يحتاجه المصوّر للعمل في الاستوديو، وغرفة التحميض الخاصة بعمل أفلامه.

   وصوّرَ لنا  الكاتبُ، المصوّرَ نصفه الأسفل في قالب صلب، حيث يتم تجبيسه، كي لا يتحرك..؟؟ أمّا ختام القصّة، فجعلها مفتوحةً سائبةً، لأن تشرين لم ينتهِ بل هو الآن على الأبواب وينتظر القادم..؟ حيثُ دخل شخص، لم يكشف عن ملامحه، يأمرُ منْ معه، لفك القالب الجبسي عن المصوّر، واحضار فطور (يناسبُ خطوةَ الحريّة...)..؟؟!!

إرسال تعليق

0 تعليقات