وحطّم الكاظمي الرقم القياسي

مشاهدات



جليل وادي


حتى ساعة كتابة هذا المقال لم يستلم الموظفون رواتبهم ، وبذلك يكون رئيس الوزراء الكاظمي قد حطم الرقم القياسي بتجاوز المدة التي تأخر فيها الراتب أيام السيد عادل عبد المهدي اسبوعا بالتمام والكمال ، اذ كان الموظفون يظنون ان التأخير لن يبلغ مداه اليوم الرابع من الشهر ، بخاصة ان الكاظمي صرح أثناء زيارته مدينة الناصرية وأعقبته تصريحات لجهات مالية مسؤولة بأن مشكلة الرواتب حُلت ، وستباشر المصارف بتوزيعها ، فتنفس الناس الصعداء من الموظفين وغير الموظفين ، لكن ذلك لم يحدث بالرغم من مرور مدة على تلك التصريحات ، متناسين ان الحركة الاقتصادية برمتها متعلقة برواتب الموظفين ، بدلالة ركود السوق الواضح في الآونة الاخيرة .

وعلى ضوء ذلك يتساءل الناس كيف سيكون وضعنا الاقتصادي في الأشهر المقبلة ؟ ، ويبدو ان جواب المالية والبرلمان ( اصرفوا ما في الجيب يأتيكم ما بالغيب ) ، لقد رهن سياسيونا الأفذاذ قوت عيالنا بمردودات مبيعات النفط ، فدخلنا القومي لا تشكل فيه قطاعات الزراعة والصناعة والتجارة والسياحة مردودا ذا قيمة ، وهذا هو الفشل بعينه ، ولسنا بحاجة لمعيار غيره لقياسه ، لكن قريحة أعضاء اللجنة المالية البرلمانية تفتقت هذه المرة لترد على مقترح قانون الاقتراض الذي قدمته وزارة المالية ، بأنه يؤدي الى افلاس الدولة ، ويرهن رقاب العراقيين وأجيالهم القادمة بديون كارثية ، لا اعتراض على مضمون هذا الكلام الصحيح بالمطلق ، فالديون تفقد الدولة قدرتها على السيطرة وضبط الامور ، لكن ، والكلام موجه لأعضاء البرلمان الحاليين والسابقين ، أين كنتم قبل ان يصل حالنا الى ما هو عليه ، ألم يكن بعضكم راعيا لعمليات فساد كبرى جرت بعد 2003 وحتى الآن ، ألم تتحاصص أحزابكم الوزارات ، وتشكل مكاتب اقتصادية فيها لسرقة ميزانياتها وتوظيفها للمصالح الحزبية والشخصية ، ألم تتقاسموا المنافذ الحدودية ، ألم تشرعوا قوانين تمنحكم امتيازات خيالية ، لماذا خنتم الأمانة ولم تمارسوا دوركم الرقابي على الحكومات السابقة ، وهي المهمة التي أوكلها الشعب لكم ، ألم يترهل الجهاز الاداري للدولة بسبب تعيين الآلاف من أنصاركم والمحسوبين عليكم من الأقرباء والأصدقاء ، وغيرها الكثير مما نعرف وما لا نعرف ، فمن أين جاءت هذه الروح الوطنية الجياشة ؟ ، لتحرك ضمائركم ، وتقلقكم على مستقبل الوطن الذي كنتم أول من فرط به ، وأعدتوه قرونا الى الوراء . واليوم تنبرون لمسائلة الحكومة لعدم قدرتها على توفير رواتب الموظفين ، وهي التي ورثت دولة متهالكة ، ميزانية خاوية ، ، سلاح منفلت ، علاقات دولية هشة ، دولة بلا وزن اقليمي او دولي ، بل حتى بلا وزن محلي ، فالكثير من القوى والتيارات السياسية ترى في نفسها أكبر من الدولة ، ولها من النفوذ والتأثير في الواقع ما يفوق تأثيرها ، كيف والحال هذه للكاظمي او غير الكاظمي أن يقود سفينة العراق الى بر الأمان ؟ . وبذلك يكون الاعتراض أقرب الى كلمة حق يراد بها باطل 

لقد تراجع الانتماء الوطني كثيرا ، وأول تراجعه لدى جميع من تصدوا للعملية السياسية الذين فضلوا مصالحهم على مصالح الشعب والوطن ، والذين سكتوا على جرائم فضيعة ارتكبت بحقهما ، والذين غضوا الطرف عن عمليات فساد وتدمير قادها أوباش مع سبق الاصرار ، والذين رضوا بحرق مزارعنا وتخريب مصانعنا لكي تتواصل عمليات الاستيراد من خارج البلاد .

أرجو أن يحتكم للموضوعية كل من يعترض على قولي : بأن الولاء الوطني قد تراجع ، والقيم الوطنية قد تصدعت ، والسبب الأساس هو النماذج الشاذة في المشهد السياسي ، مع ان ليس غيرهما من يضبط السلوك على اختلاف أشكاله ، فالحفاظ على الوطن واحدا والشعب متماسكا مرهونان بهما ، من المؤسف أن يكون رأس الشهر أقوى روابط الناس بالدولة ، فتخيلوا ما سيحدث اذا لم تستلم الناس رواتبها ، أظن ان الدولة والنظام السياسي سينهاران ، ومن هنا تأتي مطالب الاصلاح التي تصدح بها حناجر الشباب .

إرسال تعليق

0 تعليقات